بحث حول حجية حكم التحكيم.. د. سيد عبدالماجد

 
 حجية حكم التحكيم
د. سيد عبدالماجد*
 يقال انه اذا كان الحكم قد صدر عن القضاء العادي او عن القضاء التحكيمي، فالحكم في الحالتين هو عنوان الحقيقة بشأن ما فصل فيه... وتتسائل هذه الورقة عن مدى حجية الاحكام التي تصدر عن هيئات التحكيم؟
ومع مراعاة ان المحكم في نظام التحكيم قد يصدر عنه العديد من الاحكام قبل الفصل في الموضوع مثل الحكم بعدم الاختصاص والحكم بعدم القبول ، كما يصدر المحكم احكاما وقتية وموضوعية وقد تكون الاحكام الموضوعية منهية للخصومة او لجزء منها. وازاء ذلك تكون الاشكالية قد اخذت ابعادا اخرى بحاجة الى تدقيق اكثر ، لذلك فما الحجية التي يمكن ان تترتب على صور الاحكام التي يصدرها المحكم؟

وللبحث في هذا الموضوع كان علينا تناوله من خلال الاتي:
المطلب الاول مفهوم حجية احكام التحكيم
المطلب الثاني: نطاق حجية احكام التحكيم



المطلب الاول
مفهوم حجية احكام التحكيم
المقصود بحجية الحكم القضائي - باختصار- ان "الحكم عنوان الحقيقة"، فلا يجوز اعادة نظر  النزاع والفصل فيه من جديد امام اية جهة قضائية مرة اخرى ، فالحكم القضائي من شأنه ان يؤكد على حقيقتين الاولى عدم جواز نظر الدعوى مرة ثانية امام اية جهة قضائية ، و الثانية انه يجب احترام مؤدى الحكم ، فمن غير الجائز اعادة الفصل في النزاع من جديد امام اية جهة قضائية اخرى[1].
ويلاحظ ان الحكم القضائي قد يتم الطعن عليه - اذا توافرت شروط الطعن- ومن ثم تصير الحجية التي يتمتع بها موقوتة ، فاذا الغي الحكم في الطعن زالت حجيته ، والا فانها تثبت ومن ثم يصبح للحكم قوة الامر المقضي به[2].
اذا كانت الحجية بهذا المفهوم ، فهل تثبت الحجية للاحكام التحكيمية ؟ بداية نشير الى ان الحجية لا تثبت للحكم التحكيمي بشأن اية مسائل اجرائية.  
وبالنسبة لاحكام التحكيم الموضوعية ، فقد نصت المادة 55 من قانون التحكيم رقم 27 لسنة 1994 على انه " تحوز احكام المحكمين الصدرة طبقا لهذا القانون حجية الامر المقضي .." ، فالنص يمنح حجية لحكم التحكيم من تاريخ صدوره ، فحكم التحكيم يصدر غير قابل للطعن عليه بطرق الطعن العادية او غير العادية التي تخضع لها الاحكام القضائية ، وان كان المشرع قد اجاز اقامة دعوى ببطلان حكم التحكيم.
ويتضح من النص المذكور ان كافة المنازعات او الخلافات التي يتم حسمها بالتحكيم يعتبر الحكم الصادر فيها حاسم وغير قابل لاعادة النظر فيه من جديد لا باعادة طرحه مرة اخرى امام التحكيم والقضاء ولا بالطعن عليه بالاستئناف او النقض او التماس اعادة النظر امام المحاكم.
اذا كان ذلك ، فما الموقف اذا اتفق اطراف التحكيم على اهدار حجية الحكم الصادر في المنازعة ؟ يمكن لاطراف التحكيم التوجه لاعادة طرح الموضوع مرة اخرى امام هيئة تحكيم جديدة او امام القضاء العادي ، اي ان لاطراف التحكيم الاتفاق على عدم الاعتداد بحكم التحكيم الصادر في النزاع و التوجه نحو هيئة تحكيمية اخرى يرتضيها الطرفان.. فما الحكمة في تقرير اهدار الطرفين لحجية حكم التحكيم ؟
ان حجية احكام التحكيم لا تتعلق بالنظام العام ، ذلك ان التحكيم انما ينظر مصالح خاصة بين الاطراف ، فالاتفاق على التحكيم قام بناءا على ارادتهم ورغبتهم تحقيقا لمصالحهم الخاصة وليس تحقيقا للصالح العام. ومن ثم فإن اتفاقهم مرة اخرى على الاتجاه نحو هيئة تحكيمية جديدة واستبعاد الحكم الذي سبق ان صدر ، انما يدخل في اطار الاتفاق على تحقيق المصالح الخاصة بهم.. ويلاحظ ان هذا الوضع لا ينطبق على احكام القضاء ، ذلك ان الاخير انما ينظم مصالح عامة ولا تستطيع ارادة الاراف المساس بحجية الاحكام القضائية.
وهناك من يعترض على ما تقدم ويقول بارتباط حجية حكم التحكيم بالنظام العام –ايضا- كاحكام القضاء ويرتب على ذلك نتيجة عدم امكان نظر النزاع مرة اخرى امام جهة تحكيمية او قضائية ، وان على المحكم الذي يعرض عليه نزاع سبق الحكم فيه تحكيميا عدم قبول نظر النزاع مرة اخرى تطبيقا لنص المادة 101 اثبات ، ويفند مسائلة امكانية اتفاق الاطراف على ما يخالف هذه الحجية بانه امر لا علاقة له بتعلق حجية حكم التحكيم بالنظام العام وانما له علاقة بحماية المشرع لمرفق القضاء. وان نص المادة 55 تحكيم لم ينص على حجية مختلفة عن حجية احكام القضاء. ومن ثم فان اثار الحجية واحدة في احكام التحكيم والقضاء، ثم يعود الرأي الاخير الى اجازة الاتفاق على اعاد نظر النزاع مرة اخرى طالما تم الاتفاق صحيحا .
خلاصة القول ان حجية الحكم التحكيمي هى حجية تنصب على الحكم الموضوع  - وليس الاجرائي - المنهي للخصومة ، ومن ثم يحوز الحكم الحجية ويرتب اثارها فلا يجوز رفع دعوى مرة اخرى في الموضوع كما لا يجوز الطعن عليه بطرق الطعن العادية وغير العادية وان كان يجوز رفع دعوى بطلان حكم التحكيم ، كما يجوز اعادة طرح النزاع مرة اخرى للتحكيم او امام القضاء اذا اتفق الطرفان على ذلك.
المطلب الثاني
نطاق حجية حكم التحكيم
تترتب حجية حكم التحكيم بتوقيع المحكمين او اغلبيتهم على الحكم، وتثبت الحجية من تاريخ ذلك التوقيع، وتتعلق حجية حكم التحكيم باطراف التحكيم ، وكذلك بنزاع محدد ، وذلك على التفصيل الاتي:
اولا – حجية حكم التحكيم بالنسبة لاطرافه
ينحسر حكم التحكيم في ترتيب آثاره على اطرافه ، اي ان الحجية هنا نسبية تخص اصحاب العلاقة التحكيمية دون غيرهم ، وان كان الفقه القانوني قد اختلف في ترتيب حجية للحكم التحكيمي على الغير، ويرى الراي الراجح ان اجراءات الخصومة لا تنصرف اثارها الى الغير نظرا لبناء التحكيم على الاتفاق بين الطرفين ولا يجوز تدخل او ادخال الغير فيها وحكم التحكيم يحوز الحجية مثل الحكم القضائي ومن ثم فمقتضاه ان يقتصر اثره على اطرافه ولا يستفيد منه الغير ولا يضار به[3].
غير انه يتعين التأكيد بالنسبة لاثر الحجية على الخلف العام او الخاص فان اثر الحجم يتربت عليهم طبقا لقواعد القانون بشأن الخلف العام والخاص، وكذلك الحال بالنسبة لاثر الحجية على الموكل في الوكالة والكفيل في الكفالة ..الخ
ومن ثم فان القاعدة ان الحجية تتعلق باطراف التحكيم فقط ، اما سواهم من الغير فقد يؤثر عليهم حكم التحكيم كل بحسب علاقته القانونية باطراف التحكيم كما تنظمها القواعد التي تعالج هذه العلاقة .
ثانيا- حجية حكم التحكيم بالنسبة للموضوع
ان حجية الحكم التحكيمي تقع على ما فصل في الحكم من نزاع دون التفات لاية طلبات اخرى تقدم بها الاطراف ولم يتعرض لها الحكم ، فلا قيمة الا لما تم الفصل فيه ولها فقط تترتب الحجية. فمثلا اذا كان اتفاق التحكيم يتناول موضوعات اخرى يتعين حسمها ولم ينظرها المحكوم او لم يفصل فيها الحكم فانه لا حجية لهذه المسائل طالما لم ترد بالحكم التحكيمي.
حيث يصدر المحكم العديد من الاحكام الاجرائية والموضوعية في المسائل التحكيمية محل الخصومة قد يكون الحكم في موضوع النزاع كله او في جزء منه . والاحكام الصادرة قد تكون غير قطعية كالاحكام الصادرة في مجال الاثبات واجراءات التحقيق كالحكم بالاحالة للتحقيق والحكم بندب خبير . وهذه الاحكام لا تستنفذ ولاية هيئة لتحكيم. اما الاحكام القطعية فهي وحدها التي تستنفذ ولاية المحكم اي عدم القدرة على تعطيل الحكم من قبل المحكم او القاضي[4].
فاذا كانت الحجية هى امر مفترض حسمته المادة 55 تحكيم بالنسبة لحجية موضوع النزاع ، فهل تحوز الاحكام التحكيمية في مسائل الاجراءات الحجية؟. الفقه من جانبه قد ذهب بعضه الى ان تلك الاحكام كالحكم بعدم الاحتصاص والحكم ببطلان صحيفة الدعوى تحوز حجية بالفعل، وهذا الرأي اسس ما ذهب اليه بالتطبيق التالي: اذا ما تم الحكم بعدم ال اختصاص فلا يمكن العودة للحكم مرة اخرى بالاختصاص. واذا ما حكم ببطلان صحيفة الدعوى فلا يمكن العودة والحكم بصحة صحيفة الدعوى[5].
واعترض اخرون على ذلك بان الحكم التحكيمي في المسائل الاجرائية السابق التمثيل بها هو حكم قاطع يؤدي الى سقوط المراكز الاجرائية على نحو لا يجوز معه للقاضي/ المحكم ان يعدل ان يغير في حكم قطعي صدر منه ، كما ان الحكم في تلك المسائل الاجرائية لا يحو من رفع الدعوى مرة  اخرى امام المحكمة المختصة ( في الحكم بعدم الاختصاص) ، وكذلك يمكن رفع الدعوى مرة اخرى بعد تصحيح  واستيفاء بيانات عريضة الدعوى مرة اخرى ( في الحكم ببطلان صحيفة الدعوى). اما الحكم التحكيمي الموضوعي في الحق المتنازع عليه فهو يحوز حجيته من عدم امكانية طرحها مرة اخرى امام القضاء لكي تستقر الحقوق والمراكز القانونية.

الخاتمة
ان حكم التحكيم يحوز الحجية وفقا لما قرره قانون التحكيم ، ويترتب على هذه الحجية الاثران الايجابي والسلبي، اي عدم قابلية عرض النزاع مرة اخرى امام اية جهة تحكيمية او قضائية وضرورة احترام الحكم التحكيمي. الا انه يجوز اتفاق اطراف التحكيم على اعادة عرض النزاع مرة اخرى على التحكيم او القضاء.
اما اثر حجية حكم التحكيم فهي تخص اطراف التحكيم دون الغير ، وان كان قد يؤدى الحكم التحكيمي الى التأثير في الخلف الخاص او العام اذا كانت القواعد القانونية تسمح بذلك.
وقد تبين ايضا ان الحكم التحكيمي في المسائل الاجرائية لا يحوز حجية ، وتقتصر الحجية على الاحكام الصادر في المسائل الموضوعية فقط، مع الاخذ في االاعتبار ان لاطراف الحكم الاتفاق على عدم الاعتداد بالحجية واعادة طرح موضوع النزاع مرة اخرى امام التحكيم او القضاء.


* د.السيد عبدالماجد
مدير مركز الدراسات القانونية الاقتصادية واللوجستيات
الاسكندرية - مصر
sayed.quisay@gmail.com
00201115870807 




[1] محمود مختار بريري ، التحكيم التجاري الدولي ، الطبعة الثالثة ، 2004 ، دار النهضة العربية ، ص 255
[2] محمود مصطفى يونس ، المرج في اصول التحكيم ، دار النهضة العربية ، 2009 ، ص 38
[3] محمد نور شحاته ، مفهوم الغير في التحكيم ن دار النهضة العربية ، 1996 ، ص 5
[4] نبيل اسماعيل عمر ، التحكيم في المواد المدنية والتجارية الوطنية والدولية ، دار الجامعة الجديدة ، 2004 ، ص 194
[5] احمد السيد الصاوي ، التحكيم طبقا للقانون رقم 27 لسنة 1995 وانظمة التحكيم الدولية ، 2002 ، ص 263

تعليقات

  1. السلام عليكم ورحمه الله وبركاته عايز اتواصل مع حضرتك ممكن رقم تليفونك

    ردحذف
  2. السلام عليكم ورحمه الله وبركاته عايز اتواصل مع حضرتك

    ردحذف
  3. السلام عليكم ورحمه الله وبركاته عايز اتواصل مع حضرتك

    ردحذف
  4. عليكم السلام .. اتفضل .. الايميل والموبيل موجود على الصفحة

    ردحذف

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

مراحل ابرام المعاهدات في القانون الدولي.. د. سيد عبد الماجد

الاجماع .. كأحد مصادر التشريع الاسلامي

تاريخ اكتشاف النفط في قطر .. د. سيد عبدالماجد