تاريخ اكتشاف النفط في قطر .. د. سيد عبدالماجد


تاريخ اكتشاف النفط في قطر
مقدمة
بدأ الاهتمام بالبحث عن النفط في قطر بعد ظهوره في الدول المجاورة كالمملكة العربية السعودية والبحرين ، ففي عام 1939 تم حفر بئر دخان رقم 1 وفي العام التالي تم اكتشاف النفط فيه، الا انه تم اغلاق البئر بسبب ظروف الحرب العالمية الثانية ليستأنف بعد ذلك البحث ويتم انتاج اول كمية من النفط في العام 1949، وتتوالى الاكتشافات بعد ذلك ، وتتغير الخريطة الاقتصادية والاجتماعية للدولة بشكل كامل حتى يومنا هذا[1].

تأتي اهمية البحث من رغبتي في معرفة كيف تغيرت الحياة الاقتصادية في قطر بعد مرحلة صيد اللؤلؤ . كما اردت اكتشاف تاريخ قطر الحديث باعتبار ان اكتشاف النفط هو احد اهم المحاور التي مازالت تؤثر في الوضع الحالي لدولة قطر.

ويستهدف البحث تحقيق الاتي:
-  معرفة تفاصيل كيف ادار الشيخ عبدالله بن قاسم المراحل التمهيدية للاتفاق على البحث والتنقيب عن النفط في دولة قطر.
-       معرفة اهم نصوص الاتفاقية مع الشركة الانجليزية الفارسية وامتيازاتها في قطر.
-       بيان اهم الاكتشافات النفطية في الاقليم القطري.

 البحث يثير تساؤلا حول تاريخ اكتشاف النفط في قطر ، ويتفرع عن هذا التساؤل تساؤل اخر : كيف تم الاتفاق على البحث والتنقيب عن النفط في دولة قطر؟ وما هى مناطق ابار البترول في قطر برا وبحرا؟
- حدود زمنية-  يركز البحث على فترة الثلاثينات حتى الخمسينات من القرن الماضي ، ففيها ابرمت اتفاقات البحث والتنقيب عن النفط ، والفترة الزمنية التالية لها حيث تم اكتشاف النفط في عدد من المناطق في الدولة.

للاجابة على تساؤلاتنا وتحقيق اهداف البحث، فقد تم تقسيم الموضوع الى مبحثين: 
المبحث الاول : مرحلة التفاوض والاتفاق على استخراج النفط
يقف التاريخ شاهدا على المفاوضات الماراثونية التي قام بها سمو الشيخ عبدالله بن قاسم آل ثاني مع ممثل الشركة الانجلو فارسية والقائم السياسي والمعتمد السياسي البريطانيين ممثل الحكومة البريطانية في منطقة الخليج العربي[2].
ففي ثلاثينات القرن الماضي قام الشيخ عبدالله بن قاسم باستخدام كل الاساليب التفاوضية والمناورات من اجل الوصول الى افضل عروض  التنقيب عن النفط بحيث تضمن له المقابل المناسب وفق معايير الثلاثينات من القرن الماضي، وسوف نتاول هذه المرحلة من خلال الاتي:
اولا – مرحلة ما قبل توقيع اتفاقية النفط مع الشركة الانجليزية الفارسية
اثارت المفاوضات المبدأية بين الشيخ عبدالله بن قاسم آل ثاني وشركة النفط الانجليزية الفارسية احتجاجات من الحكومة الامريكية ضد الحكومة البريطانية حيث رأت ان الشركة البريطانية تحاول ان تسيطر بشكل كامل على نفط دولة قطر.
وازاء هذا التنافس الذي يصب في صالح قطر فقد ارسل الشيخ عبدالله بن قاسم بتاريخ 26 اغسطس 1932 رسالة الى السير (سي. سي. مايلز) ممثل شركة النفط الانجليزية الفارسية يخبره " بانتظاره عرض مناسب للبحث عن النفط والا فإنه سوف يتفاوض مع من يقدم عرض مناسب ، ولن يكون للشركة اي حق للامتياز في قطر" [3].
وفي اجتماع لجنة الشرق الاوسط في عام 1933 في مقر وزارة المستعمرات لمناقشة السياسة البريطانية في الخليج ابدى ممثل الشركة الانجليزية الفارسية السير هيرن الرغبة في مد امتيازها في قطر الى مدة اطول خشية ان يتمكن ماجور هولمز وشركائه الامريكان من الحصول على امتياز في قطر، وقد ايدت  الاجتماعات وجهة نظر ممثل الشركة ، ورأت تحويل امتيازات قطر الى شركة نفط العراق وهى شركة مسجلة في بريطانيا وهو الامر الذي ظل محل تردد من الجانب البريطاني.
وكان الشيخ عبدلله بن قاسم قد زار الرياض في اغسطس 1933 وقام بالتوقيع على اتفاقية مع الملك عبدالعزيز آل سعود تقضي بأن المناطق الساحلية وما فيها من نفط تابعة للسعودية ، فالسعودية في ذلك الوقت كانت قد منحت حقوق امتيازات النفط لشركات امريكية.
هذا الاتفاق اثار حفيظة الجانب البريطاني الذي اعترض برسالة موجهة الى الشيخ للتذكير بالتزامات قطر وهو الامر الذي تعامل معه الشيخ بدهاء واكد على التزاماته مشيرا الى ان الاتفاق مع الملك عبد العزيز هو اتفاق امني خاص.
وشهد شهر اكتوبر 1933 العديد من المحطات التفاوضية كان من ابرزها بعض الملاحظات التي ارسلها الشيخ الى الشركة و تتضمن:
1- تأمين السلاح للشيخ حتى يتمكن من حماية اعمال الشركة.
2- ان تكون الاتفاقية باللغة العربية
3- ان يكون للشيخ اصدار الاوامر بالاستغناء عن اي شخص يعمل بالشركة ، و ان يكون له الفصل في الخلافات التي تنشب بين العاملين ورعاياه.
ومن جانب الشركة فلم تكن تمانع في تلبية رغبات الشيخ وهو ما عبر عنه المستر تشيز هولم المقيم السياسي في بوشهر الايرانية ، فيما جاء رد الحكومة البريطانية برفض امداد الشيخ بالسلاح ووافقت على تحرير الاتفاقية باللغة العربية ، وبالنسبة للمختص بالقضاء وتسوية المنازعات فقد اقترح المقيم السياسي ان تحال المنازعات الى الشيخ للنظر فيها بالتشاور مع ممثل الشركة وبطريقة ودية، والا تم احالة النزاع الى محكمة مشتركة[4].
وقد دارت المفاوضات بين الشركة والحكومة البريطانية ، حيث كان هناك اقتراح حول شكل الاتفاق وتتضمن الاقتراح ان يكون هناك اتفاق تجاري بين الشركة والشيخ بالاضافة الى اتفاقية سياسية مكملة بين الشركة والحكومة البريطانية، وهو الاقتراح الذي رفضته وزارة الخارجية البريطانية باعتبار ان قطر ليست ارضا بريطانية.
في هذه الاثناء استغل الشيخ حالة التردد وطلب من الشركة دفع 500 الف روبية بالاضافة الى العائدات المتفق عليها في يناير 1934 حيث اقتربت المهلة الممنوحة لامتياز نفط قطر واصر الشيخ على مطالبة رغم الضغوط الشديدة التي مارستها الدبلوماسية البريطانية ضده.
 وفي اجتماع 10 يناير 1935 في مكتب الهند طلبت الشركة الموافقة على الاتفاقية وعلى مطلب الشيخ باعلان الحماية على قطر، وبالفعل توجه في مايو 1935 المقيم السياسي في الخليج مستر فاول الى الدوحة لتوقيع الاتفاقية مع الشيخ عبدالله بن قاسم.
وقد وافقت الحكومة البريطانية على الاتي:
1-  اعلان الحماية البريطانية على مشيخة قطر بشرط منح امتياز التنقيب عن النفط في شبه الجزيرة القطرية للشركة البريطانية.
2– تكون الحماية البريطانية بخصوص التهديدات الخارجية الخطيرة للمشيخة ما عدا التهديدات الداخلية والدفاعات المطلوبة للامن الداخلي.
3- توفر بريطانيا الحماية لقطر من خلال القوات الجوية، وعلى قطر ان تقوم بتوفير التسهيلات الضرورية لهذه القوات.
4- يختص الممثل البريطاني بحل الخلافات بين رعايا بريطانيا ورعايا الدول الاجنبية ، فيما تختص محكمة مشتركة بالنظر في الخلافات التي تحدث بين رعايا مشيخة قطر ورعايا بريطانيا والمشمولين بالحماية ورعايا الدول الاجنبية غير الاسلامية .
5- موافقة بريطانيا على وضع رعايا  مشيخة الكويت ومشيخة البحرين ومشيخات ساحل عمان تحت سلطة حاكم قطر والمحاكم القطرية.
6- الاعتراف بالشيخ حمد بن عبدالله بن قاسم ال ثاني وليا لعهد قطر.
7- عدم التدخل في الشئون الداخلية لدولة قطر.
ثانيا – توقيع اتفاقية النفط مع الشركة الانجليزية الفارسية سنة 1935:
عقدت الاتفاقية في 17 مايو 1935 بين الشيخ عبدالله بن قاسم ال ثاني ، وشارلس كلارك مايلز بالنيابة عن شركة النفقط الانجليزية الفارسية المحدودة، ومن اهم نصوص الاتفاقية:
-  - منح الشركة حق الانفراد بالبحث والحفر والاستخراج والتكرير وبيع النفط والغاز الطبيعي والغاز المعدني في جميع انحاء الاراضي القطرية.
-       منح الشيخ حق السيطرة على المعادن التي تكتشفها الشركة.
-       مدة سريان الاتفاقية 75 سنة تنتهي في العام 2010.
-       تستخدم الشركة كافة الوسائل في  البحث والتنقيب مع ابلاغ الشيخ بكل الصور والخرائط والرسوم.
-  تدفع الشركة للشيخ مبلغ 40 الف روبية عند التوقيع ، ومبلغ 150 الف روبية عن كل سنة من السنوات الاولى، وفي السنة السادسة مبلغ 300 الف روبية.
-       للشيخ حق التفتيش على عملية الاستخراج وكمية النفط المستخرج.
-       للشركة حق استخدام كميات من مياه البلاد دون اضرار بالسكان.
-  للشركة الحق في ان تستورد ما تحتاجه من مياه ونفط ووقود وسيارات وطائرات ومهمات تحتاجها في اعمالها.
-       يبذل الشيخ الحماية اللازمة للعاملين بالشركة.
-       للشركة حق التنازل عن الامتياز لاية شركة اخرى.
-  للشيخ الحق في انهاء هذه الاتفاقية اذا لم توفي الشركة التزاماتها او قصرت حسب شروط التحكيم الواردة في المادة 16 او اذا لم توفق الشركة في تحقيق الفائدة.
وقد قامت الشركة الانجليزية الفارسية بتشكيل شركة تابعة لها باسم شركة تطوير بترول قطر المحدودة  في العام 1935 للقيام بتنفيذ عمليات اكتشاف نفط قطر ، والتي بدأت اعمالها في العام 1936 بعد حصولها على موافقة الشيخ عبدالله بن قاسم ال ثاني.

 المبحث الثاني : مرحلة اكتشاف وانتاج النفط
على الرغم من عقد الاتفاقية في العام 1935 الا ان عمليات الاكتشاف قد اتت ثمارها الاولى في العام 1940 فيما بدأ الانتاج بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية في العام 1949 حيث تم استخراج 80 الف طن من النفط، ليرتفع الى 1.600 مليون طن في العام 1950 ، ثم الى 17 مليون طن في العام 1970 ويستمر الانتاج الى يومنا هذا بمعدلات جيدة ، الا ان الغاز قد احدث ثورة اقتصادية ثانية للدولة [5].
اولا- حقول النفط
1- حقل دخان: تم حفر بئر دخان رقم 1 شمال جبل دخان في العام 1939 وتم اكتشاف البترول في العام 1940 وتم اغلاق البئر حتى العام 1947 لظروف الحرب العالمية الثانية.
 ويعد حقل دخان هو الحقل البري الوحيد في قطر، ويبلغ طوله 47 كيلو متر وبعرض 34 كيلو متر، ويضخ النفط منه الى ميناء ام سعيد.
2- حقل العديد الشرقي : تم اكتشاف الحقل في العام 1963 ، ويبلغ طوله حولى 8 كيلو متر ، وبعرض حوالي 5 كيلو متر.
3- حقل بولحنين: تم اكتشاف الحقل في العام 1969 ، ويبلغ طوله حولى 9 كيلو متر وبعرض حوالى 5 كيلو متر.
4- حقل البندق : ويقع على الحدود مع ابوظبي وتم اكتشافه في العام 1964، وتبلغ مساحته 20 كيلو متر مربع.
ثانيا – شركات النفط العاملة
1- شركة نفط قطر المحدودة : وفقا للامتياز الممنوح للشركة الانجليزية الفارسية فقد حصلت شركة نفط قطر المحدودة على امتياز البحث عن النفط في الاراضي البرية لكامل مساحة قطر.
2- شركة شل قطر : حصلت شركة ( شل المحدودة) على امتيازاتها في المناطق البحرية والجرف القاري في عام 1952 لمدة 75 سنة ، وتم تحويل حقوق الامتياز الى شركة شل قطر في العام 1954م.
انتقال ملكية شركات النفط الى دولة قطر.
حصلت الدولة في عام 1973 على حصة مشاركة تبلغ 25% من امتيازات كل من شركة شل قطر وشركة نفط قطر المحدودة. وفي فبراير 1974 ارتفعت حصة الدولة الى 60% بعد عقد اتفاقيات جديدة مع الشركتين[6].
المؤسسة العامة القطرية للبترول
صدر القانون رقم 10 لسنة 1974 بانشاء المؤسسة القطرية للبترول ومن اهم اغراضها الاشتغال بصناعة البترول والبحث و التنقيب عن البترول والغاز وتصفية ونقل وتخزين البترول ومشتقاته.
وفي 11/10/1976 صدر القانون الاميري رقم 100 بتأسيس شركة خدمات دخان وتم تنفيذ تملك الدولة لكامل حقوق واموال شركة نفط قطر المحدودة.
وفي 2/3/1977 صدر المرسوم رقم 10 لسنة 1977 والخاص بالمصادقة على توقيع اتفاقية تملك شركة شل قطر ومنذ هذا التاريخ صارت ملكية النفط كاملة لدولة قطر[7].
الخاتمة والنتائج
تناولت في هذا البحث المراحل الاولى للمفاوضات التي اجرها الشيخ عبدالله بن قاسم ال ثاني مع الشركة الانجليزية الفارسية والمعتمد السياسي والمقيم السياسي البريطانيين من اجل وضع اتفاقية تسمح للشركة بالتنقيب على البترول في الاراضي القطرية ، حيث دارت مفاوضات لمدة طويلة الى ان توجت بعقد الاتفاقية في العام 1935 .
ثم تناول البحث مرحلة اكتشاف البترول في بئر دخان 1 في العام 1939 وماتلاه ال اكتشافات عن طريق شركة شل قطر في المناطق البحرية في ابار العد الشرقي وبولحنين والبندق والتي كانت في فترة الخمسينات وما تلاها بموجب امتياز بحري لشركة شل المحدودة والتي حولته الى شركة شل قطر.
وشهدت فترة السبعينيات من القرن الماضي تقطير نفط قطر المحدودة وشل قطر بعد شراء الدولة لكامل الحصص وصدر قانون بانشاء المؤسسة القطرية العامة للبترول و تم بيان مناطق اكتشاف البترول في قطر وكيف تحولت الشركات الاجنبية العاملة الى شركات قطرية.
المراجع
الكتب
مصطفى مراد الدباغ ، قطر ماضيها وحاضرها ، بيروت
محمد الرميحي ، البترول والتغيير الاجتماعي في الخليج العربي
ناصر محمد العثمان فخرو، السواعد السمر، مطابع الدوحة الحديث ، 1980
التقارير
المؤسسة القطرية العامة للبترول ، الانتاج والتصدير من الحقول البرية والبحرية ، ادارة هندسة البترول،1980
منظمة الاقطار العربية المصدرة للبترول ، قوانين النفط العربية ،مطابع اليقظة ، الكويت



[1] محمد الرميحي ، البترول والتغيير الاجتماعي في الخليج العربي، ص 13
[2] ناصر محمد العثمان فخرو، السواعد السمر، مطابع الدوحة الحديثة ، 1980
[3] نقلا عن ناصر العثمان، السواعد السمر، 1980 ، نقلا عن وثائق قصر الدوحة في رسالة بعث بها الشيخ عبدالله بن قاسم آل ثاني الى ممثل الشركة الانجليزية الفارسية في 26 /8/1932 ملحق رقم 1
[4] ناصر العثمان ، مرجع سابق ، ص 56
[5] مصطفى مراد الدباغ ، قطر ماضيها وحاضرها ، بيروت ، 14
[6] المؤسسة القطرية العامة للبترول ، الانتاج والتصدير من الحقول البرية والبحرية ، ادارة هندسة البترول،1980
[7] منظمة الاقطار العربية المصدرة للبترول ، قوانين النفط العربية ،مطابع اليقظة ، الكويت، ص 258

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

مراحل ابرام المعاهدات في القانون الدولي.. د. سيد عبد الماجد

الاجماع .. كأحد مصادر التشريع الاسلامي