التظلم على مشروع القرار الاداري الخاص بشئون القضاة والطعن عليه.. د. سيد عبدالماجد




التظلم على مشروع القرار الاداري الخاص بشئون القضاة والطعن عليه
مقدمة
يعتبر حق التقاضي احد الحقوق الاساسية المقررة قانون للجميع على قدم المساواة ، وهو الحق الذي قرره قانون السلطة القضائية رقم 46لسنة 2006 للقضاة لحماية حقوقهم ومراكزهم القانونية المتعلقة بشئون الوظيفة القضائية حيث نظم لهم اجراءات التقاضي على نحو يراعي طبيعة هذه الوظيفة وحماية استقلالهم وحيدتهم القضائية.
لذلك فقد خرج الشرع عن القواعد العامة لإجراءات التقاضي ، فقرر للقضاة حق التظلم والاعتراض على مشروعات القرارات الإدارية الخاصة بشئونهم كاستثناء من القاعدة العامة التي لا تجيز التظلم على القرار الاداري الا بعد اصداره. كما اضاف المشرع العديد من القواعد الخاصة بالطعن على القرار الاداري تلمس فيها المشرع طبيعة الوظيفة القضائية وحماية استقلال القضاة وحيدتهم. وقد اضاف القانون رقم 142لسنة 2006 مجموعة من التعديلات بشأن الاحكام الخاصة بعملية التظلم على مشروع القرار الاداري والطعن على القرارات الادارية النهائية.
 فما طبيعة هذه  التعديلات ؟ وهل تشكل ضمانات اضافية لاستقلال القضاة وحيدتهم؟
للإجابة على هذه التساؤلات ، سوف نتعرض بالتحليل للتطورات التشريعية في شأن التظلم في مطلب اول ، يليه تحليل قواعد الطعن على القرار الإدارية الخاصة بشئون القضاة.
المطلب الاول: المستحدث في التظلم من مشروعات القرارات الادارية المتعلقة بشئون القضاة.
تضمن القانون رقم 142 لسنة 2006 بتعديل بعض احكام قانون السلطة القضائية رقم 46 لسنة 1972 وان لم تلبى كافة مطالب القضاة الا انها مثلت خطوة ايجابية لكفاح الطويل من شيوخ القضاة في طريق استقلال القضاء وتخفيف الازمة.
فمن المسلم به ان الشئون الوظيفية لرجال القضاء والنيابة العامة كالترقية والنقل والندب وغيرها تعد من اهم الروابط المتصلة باستقلال القضاة وحيدتهم، وكلما ابتعدت هذه الشئون عن سيطرة السلطة التنفيذية كلما اشر ذلك على استقلال القضاة وحيدتهم .
وقد مكن المشرع القضاة واعضاء النيابة العامة (م 79 ق. س) من التظلم على مشروع الحركة القضائية وما تتضمنه من قرارات خاصة بهم خلافا للقواعد العامة الراسخة في القانون الاداري والتي لا تجيز التظلم على القرار الاداري الا بعد صدوره. فكيف نظم المشرع هذه الالية قبل وبعد تعديل قانون السلطة القضائية؟
لقد وضع المشرع طريقا اجرائيا للتظلم من مشرع القرار الاداري بموجب المادة 79 من قانون السلطة القضائية ، يمكن تحديد ملامحه في النقاط التالية :
اولا- محل التظلم (مشروع القرار الاداري): يتم التظلم – على خلاف القواعد العامة – بشأن مشروعات القرارات الادارية المتعلقة بالتخطي من الترقية وتقارير الكفاية.
ثانيا - وجوب الاخطار بمشروع القرار: حيث يتعين على وزير العدل ان يرسل خطابا مسجلا بعلم الوصول الى القضاة واعضاء النيابة العامة بتقارير كفايتهم اذا كانت درجته متوسط او اقل من متوسط او اذ تم تخطيهم من الترقية.
ويكون الاخطار - وهو خطاب مسجل بعلم الوصول - بمجرد انتهاء ادارة التفتيش القضائي المختصة من تقرير كفاية القاضي او عضو النيابة العامة. واذا كان التخطي من الحركة القضائية لسبب غير متصل بتقارير الكفاية فيكون الاخطار قبل عرض مشروع الحركة على اللجنة المختصة بثلاثين يوما على ان يبين بالإخطار اسباب التخطي.
ثالثا- ميعاد التظلم: وفقا لنص المادة ( 79 س. ق ) فان للمتظلم ان يبدى تظلمه خلال 15 يوما من تاريخ اخطاره بمشروع القرار الاداري ، ويكون التظلم كتابيا بعريضة يتم تقديمها الى ادارة التفتيش القضائي وفقا لصريح المادة (80 س. ق) .
رابعا جهة التظلم: وفقا للمادة ( 80 س. ق ) يكون التظلم بعريضة تقدم إلي إدارة التفتيش القضائي بوزارة العدل وعلي هذه الإدارة إرسال التظلم إلي اللجنة المشار إليها في الفقرة الثانية من المادة السابقة خلال خمسة أيام من تاريخ تقديم التظلم.
خامسا - القرار في التظلم: يفصل المجلس في التظلمات بعد الاطلاع على الاوراق وسماع اقوال المتظلم على ان يصدر قراره خلال خمسة عشر يوما من تاريخ احالة الاوراق اليه وقبل اجراء الحركة القضائية(م 81 س. ق).
النظام الاجرائي المستحدث في التظلم بموجب القانون 142لسن2006(المادة 77 مكرر4):
لقد جاء نص المادة 77مكرر 4 متضمنا تعديلات جديدة لنظام التظلم من مشروعات القرارات الادارية ، حيث نص المادة المذكورة على انه" يعلن مشروع الحركة القضائية بعد اقراره من (مجلس القضاء الاعلى) وقبل اتخاذ اجراءات استصداره(اي قبل صدور قرار رئيس الجمهورية به) ويكون لكل من رجال القضاء والنيابة العامة ان يعترض كتابة على ما يتعلق بأي شأن من شئونه في المشروع، وذلك خلال سبعة ايام من تاريخ الاعلان ويقدم الاعتراض الى امانة المجلس ، ويعرض على المجلس لنظره مع مشروع الحركة."
وبتحليل هذا النص البديل نلاحظ ان المشرع لفظ الاعتراض في المادة المستحدثة (77مكرر 4)، فيما كان قد استخدم لفظ التظلم ومشتقاته في المواد ( 79 ، 80 ، 81..). فما هو مقصد الشارع من هذا الاستبدال اللفظي؟ يذهب الفقه (طلعت دويدار ، تطور الحماية التشريعية لمبدأ حيدة  القضاة..، 2016 ، ص 91) الى ان المشرع قد احدث التباسا بسبب استخدام مصطلح " الاعتراض" في نص المادة 77مكرر 4 ، بديلا عن مصطلح " التظلم" الوارد في نصوص المواد 79 ، 80 وغيرها من قانون السلطة القضائية. ونرى ان المشرع حالفه التوفيق في استخدام الاعتراض كمصطلح يتفق مع جلال الهيئة المنوط بها ترسيخ العدالة ، بل وندعو المشرع الى استبدال كلمة "التظلم " بكلمة "الاعتراض" ومشتقاتهما في نصوص المواد 79 ، 80، 81 ايضا.
وبالنسبة لميعاد التظلم (وفقا للمادة 77مكرر 4)، فقد اصبح هناك ميعاد للاعتراض مقدر بسبعة ايام على ان يودع الاعتراض لدى امانة مجلس القضاء الاعلى مباشرة ويبت في الاعتراض مع الحركة القضائية، فيما ان ميعاد التظلم خمسة عشرة يوما بنص المادة 79 والتي توجب ان يودع التظلم لدى ادارة التفتيش القضائي ويصدر القرار في التظلم خلال 15 يوم وقبل اجراء الحركة القضائية.
وازاء هذا التعارض الشكلي في ميعاد التظلم والاعتراض ، فقد ذهب الفقه الراجح الي أنه يمكن لمن يريد ان يعترض او يتظلم ان يختار المواعيد الافضل والجهة الافضل دون التقيد بنصوص المواد الصريحة ، فله ان يختار مواعيد التظلم (15 يوما من تاريخ الاخطار) وان يودع اعتراضه خلال تلك المدة لدى امانة مجلس القضاء الاعلى مباشرة، ويعد هذا الرأي الافضل بالنسبة للقضاة واعضاء النيابة العامة.
المطلب الثاني
الطعن في القرارات الادارية النهائية المتعلقة بشئون القضاة
حق التقاضي مقرر لرجال القضاة والنيابة العامة فيما يتعلق بالطعن على القرارات الادارية النهائية باي من شئون وظائفهم. حيث يجرى الطعن امام محكمة استئناف القاهرة خلال 60 يوما من تاريخ نشر القرار المطعون فيه في الجريدة الرسمية او اعلان صاحب الشأن به او علمه علما يقينا به(م85 س. ق).
وفيما يلي نعرض للنظام الاجرائي لهذه الدعوى من حيث المحكمة المختصة صاحب الصفة والمصلحة في الدعوى ، ومحل الدعوى، وكيفية رفع الدعوى وسير الخصومة :
اولا- المحكمة المختصة بنظر دعاوى المطالبات القضائية لرجال القضاء:
اختص المشرع محكمة استئناف القاهرة بالنظر في دعاوى رجال القضاء والنيابة العامة اذ من المقرر ان الاختصاص بهذه المسائل وفقا قانون السلطة القضائية رقم 46 لسنة 1972 والمعدل بالقانون 142 لسنة 2006م في الفقرة الاولى من المادة رقم 83 ، والتي تنص على انه"تختص الدوائر المدنية بمحكمة استئناف القاهرة التي يرأسها الرؤساء لهذه المحكمة، دون غيرها، الفصل في الدعاوي التي يرفعها رجال القضاء والنيابة العامة لالغاء القرارات الادارية النهائية المتعلقة بأي شأن من شئونهم."
وتختص هذه الدوائر، دون غيرها، بالفصل في دعاوى التعويض عن تلك القرارات.
كما تختص، دون غيرها، بالفصل في الدعاوى الخاصة بالمرتبات والمعاشات والمكافآت المستحقة لرجال القضاء والنيابة العامة او لورثتهم. "
اذا يتضح من النص المعدل للمادة( 83 س. ق. ) انه قد احال الاختصاص بالطعون في القرارات الادارية النهائية للقضاة واعضاء النيابة العامة من الدائرة المدنية والتجارية لمحكمة النقض الى محكمة استئناف القاهرة.
وفي هذا الاختصاص قضت محكمة النقض بأنه " .. تختص الدوائر المدنية بمحكمة استئناف القاهرة دون غيرها بالفصل في الدعاوى التي يرفعها رجال اقضاء والنيابة العامة بإلغاء القرارات الادارية النهائية المتعلقة بأي شأن من شئونهم ومؤدى هذا النص ان مناط اختصاص دائرة طلبات رجال القضاء و النيابة العامة يتعين ان يكون محلها قرارا اداريا في شأن من شؤون رجال القضاء يترتب عليه احداث اثر قانوني معين" .
وفيما قبل التعديلات التي ادخلت على المادة 83 س.ق كان الاختصاص بنظر هذه الطعون منعقدا لمحكمة النقض وبعيدا ايضا عن قضاء مجلس الدولة صاحب الاختصاص الاصيل بالنظر في الطعن في القرارات الادارية ، وقد اكدت محكمة النقض على اختصاصها بنظر هذه الطعون في العديد من احكامها ، فقد قضت بأنه " لما كان مفاد نص المادة 83 من قانون السلطة القضائية رقم 46 لسنة 1972 ان تختص محكمة النقض في الطلبات التي يقدمها رجال القضاء والنيابة العامة بإلغاء القرارات الادارية النهائية المتعلقة بأي شأن من شئونهم وكذلك طلب التعويض عنها والمنازعات الخاصة بالمرتبات والمعاشات المكافآت المستحقة لهم او لوثتهم بما لازمة قصر اختصاص هذه الدائرة على تلك الطلبات التي ترفع من رجال القضاء و النيابة العامة وانحساره عن الدعاوى التي ترفع عليهم ."
ويثير الفقه تساؤلات عن قصر الاختصاص بنظر دعاوى رجال القضاء بشأن وظائفهم على محكمة النقض سابقا ومحكمة استئناف القاهرة حاليا بعيدا عن صاحب الاختصاص الاصيل بها " اي مجلس الدولة"؟.
كانت المذكرة الايضاحية لقانون سنة 1949 قد بررت هذا الاستثناء بالاختصاص بما اسمته " الاستقلال المتبادل بين جهات التقاضي" ، وهو التبرير الذي يؤيده بعض الفقه الحديث  . غير اننا نؤيد ما ذهب اليه فريق من الفقه الى ان الاعتبارات الادبية هى السند الحقيقي لتقرير هذا الاختصاص بعيدا عن مجلس الدولة وجعله في دائرة اختصاص ذات الجهة التي ينتمي اليها القضاة واعضاء النيابة العامة بجعل امور النظر في مطالباتهم من اختصاص جهات القضاء العادي ( محكمة النقض ، ومحكمة استئناف القاهرة)  .
وضمانا لحيدة قضاة محكمة الاستئناف قررت الفقرة الرابعة من المادة 83 المعدلة انه لا يجوز ان يجلس للفصل في الدعوى كل من اشترك في القرار الذي رفعت الدعوى بسببه والا وقع عمله باطلا(م 147 مرافعات) على اساس سبق الصلة بالدعوى.
ولكن تقرير الاختصاص لمحكمة استئناف القاهرة من خلال التعديل الاخير للمادة 83 س.ق و اختصاص الطعن في احكامها لمحكمة النقض قد انشأ درجتين للتقاضي لم تعرفه هذه المطالبات من قبل، وفي هذا اختلف الفقه مرة اخرى  ، وهو الخلاف الذي نتعرض له تفصيلا في المبحث المطلب الثاني من هذا المبحث.
ثانيا- صاحب الصفة والمصلحة في الدعوى
يتعين ان ترفع هذه الدعاوى من رجال القضاء و النيابة العامة  دون رجال القضاء الادري اواعضاء النيابة الادرية او هيئة قضايا الدولة او اعضاء المحكمة الدستورية العليا ، كما يجوز ان ترفع الدعوى من ورثة رجال القضاء وورثة اعضاء النيابة العامة .
كما يجب ان  تكون الدعوى متعلقة بشأن من شؤون من قام برفع الدعوى وهو ما يعرف بشرط المصلحة.
ثالثا- محل الدعوى ( الطعن على القرارات الادارية)
تختص محكمة استئناف القاهرة - وفقا للمادة 83 س. ق بعد تعديلها - بالنظر في طعون رجال القضاء المتعلقة بكافة شئونهم الوظيفية مثل القرارات الصادرة بشأن الترقيات والتعيين والنقل والندب. فيما كان محل الدعوى " الطلب سابقا" لا يجوز ان يطعن في تلك القرارات بعد موافقة المجلس الاعلى للقضاء عليها.
وباستقراء نص المادة 83 بنصها الحالي فانه يجب ان يتمثل موضوع الدعوى في الطعن في قرار اداري نهائي متعلق بشئون الوظيفة القضائية، ومن ثم لا يجوز ان يكون محلا للطعن حكم قضائي على انه يشترط ان يكون القرار الاداري نهائيا.
وفي هذا قضت محكمة النقض بأنه " المقرر في قضاء محكمة النقض ان مفاد النص في المادة 83 من قانون السلطة القضائية رقم 46 لسنة 1972 قبل تعديلها بالقانون رقم 142 لسنة 2006 و المنطبق على الواقع في الطلب يدل على انه يشترط لقبول الطلب امام دائرة طلبات رجال القضاء بمحكمة النقض ان يكون محله قرارا داريا نهائيا."
كما عهد المشرع لمحكمة استئناف القاهرة بالفصل الدعاوى المتعلقة بالمرتبات و المعاشات والمكافآت المتعلقة برجال القضاء حتى يتسنى للسلطة القضائية البعد عن اي سيطرة او تعنت من السلطة التنفيذية.
وكذلك يجوز ان يكون محلا لهذه الدعوى طلبات التعويض عن القرارات الادارية النهائية وذلك مع تطبيق عناصر المسئولية من "خطأ وضرر وعلاقة سببية"، فلابد ان يثبت رافع الدعوى الخطأ و الضرر والعلاقة السببية، حتى يتسنى للمحكمة القضاء بالتعويض المادي او الادبي، ويخضع تقدير التعويض الادبي للسلطة التقديرية لمحكمة الموضوع.
فقد قضت محكمة النقض بأنه " لما كان مفاد نص المادة 83 من قانون السلطة القضائية رقم 46 لسنة 1972 ان تختص محكمة النقض في الطلبات التي يقدمها رجال القضاء والنيابة العامة بإلغاء القرارات الادارية النهائية المتعلقة بأي شأن من شئونهم وكذلك طلب التعويض عنها والمنازعات الخاصة بالمرتبات والمعاشات المكافآت المستحقة لهم او لورثتهم بما لازمة قصر اختصاص هذه الدائرة على تلك الطلبات التي ترفع من رجال القضاء و النيابة العامة وانحساره عن الدعاوى التي ترفع عليهم ."
وكانت محكمة النقض قد حددت المقصود بشئون الوظيفة القضائية وهى تلك الاعمال التي تتعلق بصفاتهم اثناء مزاولة وظائفهم القانونية ، اما تلك القرارات الادارية السابقة على التحاقهم بوظائفهم فلا يجوز ان تكون محلا لهذه الدعوى ، كما ان العبرة في وقت توافر هذه الصفة هى صدور القرار وقت مزاولة الوظيفة القضائية ولو زالت هذه الصفة عند تقديم الطعن .
رابعا – كيفية رفع الدعوى وسير الخصومة امام محكمة استئناف القاهرة
قررت المادة 84 س.ق كيفية رفع الدعوى حيث يبين هذا النص المراحل التي تمر بها الدعوى ، وتفصيلها كالاتي:
- الايداع
ويتضح لنا من نص المادة المذكور انه تقرر ذات الاحكام العامة الواردة في قانون المرافعات بشأن رفع الدعوى (م 63 مرافعات) حيث يودع صاحب الشأن عريضة في قلم كتاب محكمة استئناف القاهرة تتضمن البيانات المتعلقة باسماء الخصوم وصفاتهم ومحال اقامتهم وموضوع الدعوى . وكذلك صور بعدد الخصوم وحافظة مستندات ومذكرة شارحة ..(م84 ، م 221 س.ق). وترفع الدعوى بدون رسوم قضائية(84 فقرة 6).
- تهيئة الدعوى للمرافعة
خروجا على القواعد العامة في سير الدعوى فقد قررت المادة 84 س.ق قررت في فقرتها الثالثة انه " .. ويعين رئيس الدائرة أحد أعضائها لتحضير الدعوى وتهيئتها للمرافعة وله إصدار القرارات اللازمة لذلك." فقد قرر المشرع استحداث نظام قاضي التحضير محددا اختصاصاته، ويبدو لنا ان المشرع قد اعاد استخدام هذه النظام مراعاة لنوع هذه الدعاوى تقدير لاهمية الاسراع في تهيئتها للفصل فيها على وجه السرعة. وجدير بالذكر ان هذه العودة لاستخدام نظام قاضي التحضير بعد سابق الغائها بالقانون 100لسنة 1962 قد جائت تزامنا بتقرير هذا النظام في المحكمة الاقتصادية المنشأة بالقانون 120 لسنة 2008 .
وتضيف المادة 84 في فقرتها الرابعة " وبعد تحضير الدعوى يحيلها العضو المعين إلى جلسة يحددها أمام الدائرة للمرافعة في موضوعها."
- المرافعة
قررت المادة 85 س.ق حق المدعى على مباشرة دعواه بنفسه او كتابة عن طريق وكيل عينته المادة بنصها "يباشر المدعى جميع الإجراءات أمام الدائرة بنفسه، وله أن يقدم دفاعه كتابة أو ينيب عنه في ذلك كله أحد رجال القضاء الحاليين أو السابقين من غير أرباب الوظائف أو المهن."
ويلاحظ عدم السماح للمحامي بالوكالة عن القاضي في هذه الدعاوى ، وقد قال الفقه ان هذه الخصوصية تتفق مع صيانة هيبة القضاء ودعما لحيدة القاضي ويؤسس الفقه لهذا النص بمقولة ان المحامي قد يترافع في دعوى اخرى امام موكله القاضي مما قد يؤثر على حيدة ونزاهة القاضي.
كما ان صريح نص المادة قد حدد الاشخاص المسموح لهم بالانابة عن المدعي ، فيجب ان يكون احد رجال القضاء الحاليين او السابقين من غير ارباب الوظائف او المهن. فيما كانت المادة قبل تعديلها تجيز الانابة فقط لاحد رجال القضاء من غير مستشار النقض.
تقرير مبدأ التقاضي على درجتين في دعوى المطالبة القضائية
قررت المادة 83 س.ق بعد تعديلها امكانية الطعن على الاحكام الصادرة من محكمة استئناف القاهرة بشأن دعاوى المطالبات القضائية لرجال القضاء امام محكمة النقض، بنصها على انه " يكون الطعن في الاحكام التي تصدر في الدعاوى المنصوص عليها في الفقرات السابقة امام دوائر المواد المدنية والتجارية بمحكمة النقض دون غيرها.."  فيما تقرر الفقرة الثانية من المادة 85 س.ق انه " ويكون الطعن خلال ستين يوما من تاريخ نشر القرار المطعون فيه في الجريدة الرسمية أو إعلان صاحب الشأن به أو علمه به علما يقينا، ويجرى تحضير الدعوى والفصل فيها على وجه السرعة".
وامام صراحة هذا النصوص فقد تسائل الفقه حول مدى اعتبار الطعن بالنقض في هذه الدعاوى تطبيقا لمبدأ التقاضي على درجتين من عدمه تأسيسا على ان محكمة النقض هى محكمة قانون وليست محكمة موضوع وفقا للتصور اللاتيني لمحكمة النقض المطبق في مصر؟
وهل يوفر الطعن بالنقض في احكام هذه الدعاوى الى المأمول منه وتحقيق اقصى درجات العدالة للقضاة واعضاء النيابة العامة اسوة بالمتقاضين امام مجلس الدولة في الدعاوى المتعلقة بالقرارات الادارية؟
سوف نجيب عن هذه التساؤلات من خلال تحليل نص الفقرة الاخيرة من المادة 83 س.ق وكذلك نص الفقرة الاخيرة من المادة 85 س.ق ، مع تناول الاتجاهات الفقهية و عرض موقفنا منها.
اولا – ملامح الخصوصية في الطعن بالنقض في دعوى المطالبة القضائية
قبل تعديلات القانون 142 لسنة 2006 اختصت محكمة النقض بالفصل في المطالبات القضائية المتعلقة بشؤن القضاة اختصاصا استثنائيا ، اقره قانون استقلال القضاء الصادر في سنة 1949 واستمر هذا الاختصاص في قانو السلطة القضائية رقم 76 لسنة 1972 ، وقد قيل في اسناد هذا الاختصاص لمحكمة النقض بانه تطبيق محكم لنظرية الفصل بين السلطات ، فهو اختصاص يخرج القضاء عن سلطة مجلس الدولة.
واستمر العمل بهذا الاختصاص لمحكمة النقض ورغم ما كان يحمله من استقلالية لافراد القضاء والنيابة العامة الا انه كان يحرمهم في الوقت نفسه من حق التقاضي على درجتين اسوة بالمتقاضين امام مجلس الدولة.
ومع التعديلات التي اجريت على المواد 83 ، 85 من قانون السلطة القضائية بموجب القانون 142 لسنة 2006 فقد تم تعديل اختصاص محكمة النقض بشأن هذه الدعاوى ، لتكون محكمة طعن في احكام محكمة استئناف القاهرة.
ويعترض جانب من الفقه على ان تكون محكمة النقض بمثابة محكمة طعن في الموضوع بالنسبة لهذا الدعاوى انطلاقا من كون محكمة النقض هى محكمة قانون وان الطعن امامها مقيد باسباب تدور حول فكرة الخطأ في القانون ولا شأن لها بالموضوع ومن ثم ينتهي هذا الفقه الى محكمة النقض والحال كذلك لا يمكن اعتبارها درجة ثانية من درجات التقاضي .
الا ان هذا الرأي الفقهي يتهاوى مع صراحة نص المادة 83 س.ق  بتحديد الدوائر المدنية والتجارية بمحكمة النقض للنظر في الطعن على احكام محكمة استئناف القاهرة بشأن دعاوى المطالبات القضائية لرجال القضاء واعضاء النيابة العامة ، بل ان الجانب الراجح من الفقه يضيف بأن المشرع في التعديلات بالقانون 142 لسنة 2006 لم يقيد الطعن بالنقض باسباب النقض للاحكام العادية وفقا للاحكام العامة في الطعن بالنقض ، فقد اتاح المشرع وفقا لهذا الفقه للطاعن ان يتوجه بكافة الدفاع والدفوع والطلبات التي يجوز ابداؤها في الاستئناف الدعاوى العادية ليباشرها امام محكمة النقض باعتبار انها محكمة درجة ثانية في دعاوى رجال القضاء.
وبذلك نؤكد على وجود مبدأ التقاضي على درجتين في دعاوى رجال القضاء ، ونكون قد اجبنا على التساؤل الاول.
ثانيا- ميعاد الطعن بالنقض في دعوى المطالبة القضائية
قرر المشرع في المادة 85 س.ق بعد تعديلها ان تطبيق القاعدة العامة في مواعيد دعوى الالغاء امام مجلس الدولة حيث اتاح ذات المدة(وهى 60 يوما ) للطعن على احكام محكمة استئناف القاهرة امام محكمة النقض ، ويخضع هذا الميعاد للقواعد العامة في مفهوم القانون الاداري من حيث قواعد بدايته ونهايته ووقف الميعاد وامتداده وانقطاعه.
وكانت المادة 85 قبل تعديلها قد حددت ميعاد حتمي لرفع دعوى الالغاء امام محكمة النقض وقدرته بثلاثين يوما من تاريخ نشر القرار المطعون فيه في الجريدة الرسمية اعلان صاحب الشأن او العلم اليقيني به. وبتعديل المادة المذكورة فقد اصبح استئناف الحكم في الدعوى خلال 60يوما، ومن ثم فاننا لا نبالغ اذا ما اكدنا على انها احدى المزايا التي تقررت بمقتضى تعديلات القانون 142 لسنة 2006 .
ثالثا – المزايا التي ترتبت على تطبيق مبدأ التقاضي على درجتين في دعاوى رجال القضاء
لقد عدد الفقه  المزايا التي تترتب على وجود مبدأ التقاضي على درجتين في خصومة المطالبات القضائية ، فمن جهة الخصوم فانه يؤدي الى استدراك ما فاتهم من دفوع واوجه دوفاع وادلة امام محكمة الموضوع ، ومن جهة القاضي في محكمة الدرجة الاولى(محكمة استئناف القاهرة) فان اقرار مبدأ الطعن على احكامه امام محكمة النقض من شأنه ان يبذل اقصى عنايته كي يتلافى تعديل او الغاء احكامه، ويضيف اخرون ان قيمة اقرار مبدأ التقاضي على درجتين في هذه الدعاوى انه يؤدى الى مناقشة وبحث الدعوى لاكثر من مرة وما يرتبه من استكمال النقائص التي اعتورتها في الدرجة الاولى واصلاحها من قبل محكمة النقض .
 ........

د . السيد عبدالماجد
الاسكندرية - سبتمبر 2018
sayed.quisay@gmail.com


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

مراحل ابرام المعاهدات في القانون الدولي.. د. سيد عبد الماجد

تاريخ اكتشاف النفط في قطر .. د. سيد عبدالماجد

الاجماع .. كأحد مصادر التشريع الاسلامي