التدخل في الدعاوى المنظورة امام محكمة العدل الدولية.. د. سيد عبد الماجد

 


التدخل في الدعاوى المنظورة امام محكمة العدل الدولية


وفقا لنص المادة 62 من النظام الاساسي لمحكمة العدل الدولية يجوز لدولة ما التدخل في النزاع متى كان لها مصلحة ذات صفة قانونية يمكن ان يؤثر فيها حكم المحكمة ، ويبقى للمحكمة سلطة البت في طلب التدخل.

واذا تتبعنا مسألة التدخل ، تاريخيا،  في لائحة محكمة العدل الدولية ، نجد ان مسألة التدخل لم تثر اية مشكلات في ظل النظام الاساسي للمحكمة الدائمة للعدل الدولي ، والتي حلت محكمة العدل الدولية محلها.

 والمرة الاولى لاثارة مسألة التدخل في قضايا معروضة على محكمة العدل الدولية ، كانت من خلال طلب التدخل من دولة مالطا – عام 1981م -  في قضية النزاع على الجرف القاري بين تونس وليبيا المعروضة على محكمة العدل الدولية في عام 1979م، فقد كان هذا الطلب بالتدخل جديدا من نوعه لم يسبق لدولة التقدم به امام محكمة العدل الدولية ، مع انه يتفق مع المادة 62 من النظام الاساسي[1] .

لذلك قررت محكمة العدل الدولية ان تجري تشكيلا لبلورة لجنة استشارية من كبار قضاة المحكمة المشكلة من قبل عصبة الامم مسبقا ، وذلك لمناقشة فكرة التدخل .

 وحيث قامت اللجنة بدراسة فكرة التدخل في القضايا المنظورة امام محكمة العدل الدولية، ومن ثم فقد اتضح لها امرين[2]:

 الامر الاول : ان فكرة التدخل في اساسها مستوحاه من القانون الخاص وتحديدا ما يسمى (بقانون المرافعات او قانون الاجراءات المدنية )، حيث تسمح فكرة الدخل للغير بان يتدخل في اي دعوى قضائية اذا كان له مصلحة بمعنى ان نظر الدعوى والحكم فيها يمكن ان يؤثر في المركز القانوني او حق من حقوق المتدخل .

والامر الثاني : يتمثل في ان فكرة التدخل كانت قيد المناقشة مسبقا من قبل الدول الخمس المحايدة اثناء انشاء المحكمة الدائمة للعدل الدولي ، فقد جرى اقتراح "انشاء نظام قانوني للتدخل في الدعوى".

وتتمحور فكرة النظام القانوني للتدخل في الدعوى القضائية امام محكمة العدل الدولية ، في امكانية التدخل اذا كان النزاع المعروض على المحكمة من شأنه ان يؤثر على مصالح دولة ثالثة ، ويكون ذلك مبررا لتدخلها في الدعوى المعروضة على المحكمة .

وقد تضمن " مقترح النظام القانون للتدخل في الدعوى" ايضا الاساس القانوني لفكرة الولاية التي تدعى الدولة طالبة التدخل وجودها مع اطراف القضية ، على ان تقوم بتحديد المنازعات الرئيسية التي تريد التدخل بشأنها ، وعرض اسبابها القانونية والموضوعية للتدخل . واضاف النظام القانوني المقترح ان يتم تقديم طلب التدخل مع حافظة مستندات قبل افتتاح اجراءات المرافعة الشفوية بين اطراف القضية الاصليين .

ومن امثلة طلبات التدخل في القضايا التي عرضت على محكمة العدل الدولية [3]:

1-   طلب التدخل من  دولة ايطاليا : حيث استخدمت المادة 62 من النظام الاساسي للمحكمة في طلب الاذن بالتدخل في  قضية النزاع المتعلق بالامتداد القاري بين ليبيا ومالطا ، وقد فصلت المحكمة في هذا الطلب بتاريخ 21 مارس 1985 ، 

 2- طلب التدخل الذي قدمته دولة نيكارغوا في نزاع الحدو البرية والجزرية والبحرية ، بين دولتي السفادور وهندوراس ، و قد فصلت المحكمة في طلب التدخل بتاريخ 13 سبتمبر سنة 1990م .

خلاصة ا لقول ان نظام التدخل في الدعوى من طرف ثالث ، هو نظام مستوى من القانون الخاص الداخلي ، وتحديدا من قوانين المرافعات او الاجراءات المدنية – بحسب التسمية المعتمدة في كل دولة - ، والهدف من فكرة التدخل هو السماح لكل من تتأثر مصالحه بسبب حكم المحكمة ، ان يطلب التدخل في الدععوى ، وقد اخذ القانون الدولي – في النظام الاساسي لمحكمة العدل الدولية – بهذه الفكرة ، ونص عليها في المادة 62 من النظام الاساسي.

واعتقد ان المشرع الدولي كان موفقا بالسماح بفكرة التدخل في القضايا المعروضة على محكمة العدل الدولية ، وما يؤكد رأيي هو ان تحديد حقوق كل دولة ساحلية من الجرف القاري ليس من السهل تحديدها ، لذلك تثير منازعات كثيرة بين الدول ، التي تتعارض مصالحها في الجرف القاري وتتداخل حدودها ، لذلك فإن السماح بالتدخل من شأنه ان يحافظ على مصالح الدول التي ليست طرفا في قضايا النزاع على الجرف القاري.



[1] د. حيدر ادهم عبد الهادي ، تدخل الغير امام محكمة العدل الدولية ، دار الحامد للنشر والتوزيع ، الطبعة الاولى ، الاردن ، 2009 ، ص ص: 24 ، 25

[2] مفتاح عمر درباش ، ولاية محكمة العدل الدولية في تسوية المنازعات ، دار الجماهيرية للنشر والتوزيع والاعلان، الطبعة الاولى ، ليبيا، 19991، ص 145.

[3] د. حسني موسى محمد رضوان ، دور التحكيم والقضاء الدوليين في تسوية منازعات الحدود البرية ، دار الفكر والقانون، البحرين ، 2013 ، ص 479.


تعليقات

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

مراحل ابرام المعاهدات في القانون الدولي.. د. سيد عبد الماجد

تاريخ اكتشاف النفط في قطر .. د. سيد عبدالماجد

الاجماع .. كأحد مصادر التشريع الاسلامي