التزام المؤمن بالتعويض عن الخسارة البحرية في القانون القطري .. د. سيد عبد الماجد

 

 

التزام المؤمن بالتعويض عن الخسارة البحرية في القانون القطري

تمهيد

يلتزم المستأمن في عقد التأمين البحري ازاء المؤمن بالادلاء بالبيانات الصحيحة عن الخطر المضمون ، ودفع اقساط التأمين ، والمحافظة على حقوق المؤمن قبل الغير المسئول عن الضرر[1]. وفي مقابل هذه الالتزمات يلتزم المؤمن بدفع مبلغ التعويض بشأن الخسارات البحرية والذي قد تختلف قيمته من حالة لأخرى على حسب مصدر الالتزام الاتفاقي او القانوني او بناءا على العرف البحري، وذلك بشرط الا يجاوز التعويض مبلغ التأمين.

وقد قرر المشرع القطري طرق جبر الخسارة البحرية ، وسن قاعدة موجزها ان الاضرار التي تحدث نتيجة الخسارة البحرية يمكن جبرها بأحد طريقين الاول وهو التعويض ، وفي حالات اخرى يستطيع المستأمن ترك الشئ المؤمن عليه للمؤمن ، على انه في كافة الاحوال لا يجوز ان يثري المؤمن له من خلال الخسارة البحرية التي لحقت به، اما اذا كان الاثراء لسبب آخر فقد اجازت المحكمة في قضية شركتي "  Yorkshire Insurance ضد شركة  Nisbet Shipping ) في سنة 1961 انه لا يوجد ما يمنع المؤمن له من الاحتفاظ بالربح الذي ياتيه مصادفة بمناسبة العملية التي يحصل منها على تعويض التأمين تأسيسا على ان هذا الربح (الاثراء) كان سيأتيه سواء كان له غطاء تأميني ام لا وانه لم يتم على حساب المؤمن ولكنه تم بفعل ظرف اخرى[2].

ولايضاح هذه المسألة وكيفية معالجتها في التشريع القطري، نتناول التزام المؤمن بالتعويض من خلال الاساس القانوني له وكيفية تقدير التعويض عند وقوع الخطر وذلك من خلال التأسيس القانوني لالتزام المؤمن بالتعويض ، ثم نرى كيف عالج المشرع القطري هذه المسألة ، وذلك من خلال الاتي: 

1- الاساس القانوني لالتزام المؤمن بالتعويض

يجرى العمل في مجال التأمين على السفن والبضائع ضد المخاطر البحرية من خلال وثيقة تأمين تحدد التزامات كل طرف ونطاقه. وعند حدوث الخسارة البحرية فإنه يتم اللجوء الى اجراء التسوية بين اطراف الخسارة والتي تجرى غالبا بين المؤمن والمستأمن للحصول على التعويض عن الخسارة.

ويتحديد نطاق الخسارة التي يتحملها المؤمن – بشكل عام - بالخسارة الاقتصادية التي تلحق المستأمن اي النقص الذي يلحق الذمة المالية ، لذلك يجري العمل على ان تنص وثائق التأمين على ان المستأمن لا يحصل الا على الخسارة المالية الاقتصادية التي عاني منها نتيجة وقوع الحادث المؤمن منه وفي الاحوال التي لا يكون المستأمن مالكا للاموال المؤمن عليها فان نطاق حقوقه تتحدد وفق مصلحته التأمينية ، بمعنى علاقة المستأمن والحادث المؤمن منه والتي بمقتضاها يعاني المستأمن من خسارة اذا تحقق الخطر وتحقق المصلحة التأمينية الحد الاقصى للتعويض الذي يجب ان يحصل على المستأمن عند وقوع الخطر المؤمن منه. ولايضاح ذلك فانه اذا قام الدائن المرتهن للسفينة بالتأمين على جسم السفينة فلا يستطيع ان يحصل على التعويض الا في حدود حقه اي في حدود الدين المضمون بالسفينة[3].

ويلاحظ عند انه تحديد نطاق مسئولية المؤمن عن الخسارة في وثيقة التأمين يتم مراعاة نوع الخسارة التي التي لا يلتزم المؤمن بتغطيتها وعليه ان يوضح للمستأمن نوع الخسارة الاقتصادية التي يتعهد بضمانها وبشرط ان تكون ناتجة عن حادث قهري.

ولما كان عقد التأمين البحري هو عقد تعويضي يتم الاتفاق بين اطرافه على مقدار التغطية التأمينية وهى ما تختلف من وثيقة لاخرى لذلك سوف نشير الى انواع وثائق التأمين ومن ثم يمكن تحديد نطاق التزام المؤمن في تغطية الخسارة بحسب وثيقة التأمين المبرمة مع المستأمن.

 وتتنوع وثائق التأمين بين وثائق تأمين محددة القيمة ووثائق تأمين غير محددة القيمة وكما نوضح فيما يلي مدى جواز التأمين بما يجاوز قيمة الشئ المؤمن منه و التأمين بأقل من قيمة الشئ محل التأمين.

اولا – وثائق التأمين محددة القيمة

وهى تمثل عقد التأمين الذي يتم فيه تحديد قيمة الشئ المؤمن عليه بالاتفاق بين المؤمن و المستأمن ، حيث انه عند وقوع الخطر المؤمن منه يسترد المستأمن المبلغ المحدد في العقد"وثيقة التأمين".

وفي اطار وثيقة التأمين محددة القيمة لا يستطيع المؤمن له الذي كانت خسارته اكبر من المبلغ المحدد في الوثيقة الا ان يطلب بما هو مبين في الوثيقة فقط ، ذلك ان تقدير قيمة الشئ المؤمن عليه في الوثيقة ملزم ولا يتأثر بزيادة او نقص القيمة الفعلية للشئ المؤمن عليه ، فيتعين ان يكون التعويض المدفوع وفقا للمتفق عليه في وثيقة التأمين[4].

 الا انه يشترط ان هذا التقدير تم على وجه صحيح خاليا من عيب الغش كما هو في الحالة التي تكون القيمة التأمينية اكبر من القيمة الفعلية ، فالغش يفسد ما يرتبه الاتفاق على خلاف الواقع و الحقيقة.

ويلاحظ انه في حالة الخسارة الجزئية  فان المؤمن له يسترد المقدار الفعلي لخسارته التي يقع عليه عبء اثباتها ومن ثم فان القيمة المقدرة في الوثيقة ليست ذات اهمية في حالة الخسارة الجزئية.

ثانيا-  وثائق التأمين غير محددة القيمة

حيث لا يتم تحديد المبلغ الواجب دفعه للمؤمن له على ان يتم تحديده بعد وقوع الخطر المؤمن منه ، ويتم تحرير مبلغ تأميني في الوثيقة بغرض الا تتجاوزه مسئولية المؤمن ، ووفقا لوثيقة التأمين غير محددة القيمة فان المؤمن له لا يسترد سوى القيمة الفعلية و الحقيقية لما لحقه من خساره نتجت عن الخطر المؤمن منه.

فوفقا لوثيقة التأمين غير محددة القيمة فان المؤمن لا يلتزم بمبلغ محدد تجاه المؤمن له ولكن ما يحدد الالتزام هنا هو الضرر الذي اصاب المؤمن او المستفيد من التأمين[5].

§   على ان يراعي عند تعويض المستأمن ايا كانت وثيقة التأمين المبرمة مع المؤمن عدد من القواعد العامة للتأمين :

1- لما كان عقد التأمين هو عقد تعويضي ومن ثم فلا يجوز للمؤمن له ان يطالب او يحصل على تعويض من الحادث المؤمن منه يزيد على مقدار ما اصابه من ضرر وهذا المبدأ من النظام العام.

2- اذا كان المبلغ المؤمن به مساويا لقيمة الشئ المؤمن عليه فان التعويض يكون مساويا لكل الضرر بشرط الا يجاوز التعويض قيمة مبلغ التأمين.

3- اذا تعذر تحديد قيمة الشئ المؤمن عليه ، فيقوم المؤمن له بتقديم تقييم الى المؤمن ويفترض تساويها مع القيمة الفعلية ويلتزم المؤمن بالتعويض عن الضرر على هذا الاساس، ذلك الا اذا قام الدليل على ان القيمة المقدرة للشئ المؤمن عليه اعلى من القيمة الحقيقية حتى لا يحقق المؤمن له ربحا من وراء التأمين[6].

4- اذا قدر المؤمن له او وكيلة مبلغ التأمين بمبلغ يزيد عن قيمته الفعلية وكان ذلك التقدير ينطوي علي تدليس فان للمؤمن ان يبطل عقد التأمين ويبقى القسط كاملا من حقه ، فاذا كانت الزيادة ناجمة عن حسن نية من قبل المؤمن فان عقد التأمين يظل صحيحا وتبطل الزيادة عن القيمة الفعلية للشئ المؤمن عليه[7].

5- اذا كان المؤمن له سئ النية في عقد اكثر من وثيقة تأمين بهدف قبض تعويض يفوق قيمة الشئ محل التأمينات ، فان هذه التأمينات كلها تكون قابلة للبطلان لصالح المؤمن في كل عقد[8].

6- اذا كان المبلغ المؤمن به اقل من القيمة الفعلية للشئ المؤمن عليه فلا يمكن للمؤمن له ان يحصل على تعويض عن الضرر بما يزيد عن هذا المبلغ مهما كانت قيمة الضرر الذي اصاب المؤمن له[9].

الجدير بالذكر انه على الرغم من ان المشرع قد يلزم في بعض الاحيان شركة التأمين باعادة التأمين عن الاخطار التي تزيد قيمتها عن نسبة معينة من اصولها او كانت تزيد عن مبلغ معين ، حتى يكون المستأمن مطمئنا الى حصوله على مبلغ التعويض المناسب المتفق عليه في وثيقة التامين وهو ما يمثل من المشرع حماية للمستأمن ضد العثرات التي قد تحدث للمؤمن عند مطالبته بمبلغ التعويض[10]. حيث يشترك المؤمن والمؤمن المعيد في دفع التعويض للمستأمن وفقا للاتفاق المبرم فيما بينهم بحسب كل حادثة ومعدل الخسارة المتوقع بما يفى في النهاية بالتعويض المستحق للمستأمن[11]

2- التحديد الموضوعي للمسألة: نطاق التزام المؤمن بالتعويض عن الخسارة البحرية

وفقا لنص الفقرة 1 من  المادة 353 بحري فان نطاق مسئولية المؤمن عن الخسارات البحرية التي تلحق بالمؤمن له غير محددة على سبيل الحصر، فقد قررت المادة المذكورة انه"  يسأل المؤمن عما يأتي : أ) الاضرار المادية التي تلحق الاشياء المؤمن عليها بسبب وقوع خطر بحري او حادث يعد قوة قاهرة اذا كان الخطر او الحادث مما يشمله التأمين." و تستبعد المادة 356 بحري اخطار الحرب الاهلية والخارجية من نطاق التأمين الا اذا تم الاتفاق على غير ذلك.

ولما كانت النصوص القانونية المتعلقة بالاخطار البحرية لا تتعلق بالنظام العام ، فان لطرفي عقد التأمين الاتفاق على تعداد للاخطار المضمونة والمستثناه وهو ما جرى عليه العمل ، حيث قد يأخذ نطاق التأمين في الوثائق التأمينية احدى صورتين :

الاولى: ان يكون التأمين شاملا جميع الاخطار ما عد الاخطار المستبعدة بمقتضي الوثيقة ، ويكون على المستأمن اثبات تعرض الاشياء المؤمن عليها للخطر ولا سبيل امام المؤمن الا اثبات ان الخطر مستبعد من التغطية التأمينية[12].

الصورة الثانية : ان يشمل التأمين جميع الاخطار ما عدا الخسارات الخاصة ويكون على المستأمن ان يثبت ان الخسارة تدخل ضمن الاخطار المضمونة بالوثيقة والا اصبح المؤمن غير مسئولا عن الاضرار التي لحقت بالمستأمن.

وفيما يلي نعرض للاخطار البحرية الرئيسية التي يتم تضمينها بوثائق التأمين:

اولا-  العواصف والغرق وجنوح السفينة

يقصد بالعواصف الاضطرابات الجوية العنيفة مثل الرياح الشديدة وارتفاع الامواج غير المعتاد[13].فيما يقصد بالغرق اختفاء السفينة تحت سطح الماء ، اما جنوح السفن فهو الذي ينتج عن احتكاك السفن بقاع البحر مما يتسبب في توقفها.وهو ما يتسبب في الاضرار بمالك السفينة.

ثانيا-  التصادم

كما يحدث في الاحوال التي تصطدم فيها السفينة بسفينة اخرى او بالرصيف البحري او بحواجز الامواج وغيرها.مما يضر بالسفينة او البضائع اوكليهما.

ثالثا- الارساء الجبري

يحدث ان يضطر الربان الى الرسو بالسفينة في ميناء غير مقرر مما يتطلب منه مصروفات استثنائية، كما قد يتضرر ملاك البضائع  فقد تتلف البضاعة اثناء الرسو او يتم دفع مصروفات لتخزينها في الميناء وغير ذلك.

رابعا-  التغيير الجبري للطريق او السفينة

قد يضطر الربان لتغير الطريق او السفينة تفاديا لخطر بحري مثل العواصف او لانقاذ اشخاص في حالة خطرة ، مما قد يؤثر على وضع البضائع المشحونة وتعد الاضرار التي تنجم في مثل هذه الاحوال من الاخطار التي يلتزم بها المؤمن ويعوض بها ملاك البضائع.

خامسا-  الرمي في البحر

قد يقوم الربان تحقيقا للسلامة العامة للرحلة البحرية برمي بعض البضائع او اجزاء من السفينة ، ويلتزم المؤمن بتعويض هذه الخسارات للمؤمن له المتضرر.

سادسا-  الحريق

قد ينتج عن الحرائق التي تشتعل بالسفينة اثناء الرحلة البحرية اضرارا للاشياء المؤمن عليها ، وهومايلتزم المؤمن بدفع التعويض عنه.

سابعا- خطأ المؤمن له وخطأ تابعيه البريين وخطأ الربان

اذا وقع اضرار على السفينة او البضاعة نتيجة لخطأ المؤمن له او لخطا من تابعيه البريين فان المؤمن يلتزم بتعويض الاضرار التي ترتبت على الخطأ الا اذا كان الخطا عمديا او كان خطئا جسيما  كما اذا سمح المجهز للسفينة بالابحار وهى غير صالحة للملاحة.



[1] المادة 361 بحري " يلتزم المؤمن له بأن يدفع قسط التأمين و المصروفات في المكان والزمان المتفق عليهما ، كما يلتزم بأن يبذل العناية المعقولة للمحافظة على الشئ المؤمن عليه و ان يعطي بيانا صحيحا عند التعاقد بالظروف التي يعلم بها والتي من شأنها تمكين المؤمن من تقدير الاخطار التي يجري التأمين عليها و ان يطلعه اثناء سريان التأمين على ما يطرأ من زيادة في هذه الاخطار في حدود علمه بها."

[2] فقد قضت المحكمة على المؤمن ان يدفع للمؤمن له مبلغ (72000) جنيه استرليني كتعويض تأميني على هلاك سفينة بعد اصطدامها بسفينة كندية تقرر مسئوليتها عن الحادث وتم دفع التعويض بالدولار الكندي، وكان ان حدث انخفاض في الجنيه الاسترليني قبل اتمام الدفع ونتج عن ذلك ان زاد مبلغ التعويض بالدولار الكندي بقيمة 5500 جنيه استرليني عن مقدار التعويض الوارد في الوثيقة ، فبادر المؤمن له الى دفع مبلغ التأمين المؤمن واستولى على التعويض ، وعندما طالب المؤمن بالزيادة قضت المحكمة بأن ليس للمؤمن ان يتقاضى اكثر مما دفع بموجب بوليصة التأمين وان ربح المؤمن له تم بفعل ظروف خارجية وليس على حساب المؤمن. مشار لهذه الدعوى في : يعقوب يوسف صرخوه ، التامين البحري في القانون الكويتي " دراسة مقارنة "، جامعة الكويت ، 1993 ، ص 214

[3] عبدالمنعم البدراوي " العقود المسماه" الايجار والتأمين ، ص 279

[4] نبيل محمد مختار ، موسوعة التأمين ، دار المطبوعات الجامعية ، 2005 ، ص 3

[5] عبدالحي حجازي ، التأمين ، القاهرة ، 1958، ص 176

[6] مصطفى طه ، القانون البحري ، ص 461 ، على جمال الدين عوض ، محاضرات في القواعد العامة في التأمين البحري ، ص25

[7] محمود سمير الشرقاوي ، القانون البحري الليبي ، ص 437

[8] على جمال الدين عوض ، مرجع سابق،  ص 27

[9] عبدالرزاق السنهوري ، الوسيط في شرح القانون المدني ، الجزء الاول، نظرية الالتزام ، مصادر الالتزام ،محسن البيه ، عقد التأمين ، الجزء الاول"مبادئ التأمين" ، 1985،ص 223

[10] محمود عبدالرحيم الديب ، احكام التأمين " دراسة لعقد التأمين في القانون المصري" ، دار الجامعة الجديدة للنشر، 2010 ، ص 61

[11] محمد عبدالرحمن شريف ، عقد التأمين ، دار النهضة العربية ، 2006، ص 62

[12] مصطفى كمال طه ، القانون البحري الجديد، 1995، ص 503

[13] مصطفى كمال طه ، المرجع السابق، ص 501


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

مراحل ابرام المعاهدات في القانون الدولي.. د. سيد عبد الماجد

تاريخ اكتشاف النفط في قطر .. د. سيد عبدالماجد

الاجماع .. كأحد مصادر التشريع الاسلامي