ايداع حكم التحكيم وفقا لقانون التحكيم المصري رقم 27 لسنة 1994 وقرارات وزير العدل بتنظيم اجراءات الايداع...د. السيد عبدالماجد

ايداع حكم التحكيم
وفقا لقانون التحكيم رقم 27 لسنة 1994 وقرارات وزير العدل بتنظيم اجراءات الايداع
د. السيد عبدالماجد

بانتهاء اجراءات التحكيم وصدور واستلام حكم التحكيم ، فعلى المحكوم له الذي يرغب في تنفيذه ان يقوم بايداع اصل حكم التحكيم او صورة موقعه منه في قلم كتاب المحكمة المختصة ، والتي قد تكون محكمة الاستئناف العالي بالقاهرة او اي محكمة استئناف اخرى يختارها اطراف النزاع بالنسبة للاحكام الصادرة في التحكيم التجاري الدولي ، وقد يكون الايداع في قلم كتاب المحكمة المختصة اصلا بنظر النزاع بالنسبة للتحكيم الداخلي[1].
اذا يعد ايداع حكم التحكيم احد الاجراءات الاولية التي يتعين على المحكوم له اتخاذها في طريقه لتنفيذ الحكم التحكيمي الصادر لصالحه[2].
 ونتناول في هذه الورقة الاشكاليات التي تسبب فيها صدور قرار وزير العدل بتنظيم اجراءات ايداع احكام التحكيم. حيث نتسائل عن مدى قانونية ودستورية هذا القرار من ناحية ، واثاره على فعالية وسرعة نظام التحكيم كنظام بديل للقضاء العادي يستهدف سرعة حسم المنازعات واجتناب بط التقاضي امام المحاكم العادية.
ولالقاء الضوء على اجراءات ايداع حكم التحكيم واشكالياته في ظل قرار وزير العدل رقم 8310 لسنة 2008 سوف نقسم الموضوع على النحو الاتي:
المطلب الاول : نظام ايداع حكم التحكيم وفقا لنص المادة 47 من قانون التحكيم
المطلب الثاني: اجراءات تنظيم ايداع حكم التحكيم وفقا لقرار وزير العدل رقم 8310 لسنة 2008

نظام ايداع حكم التحكيم وفقا لنص المادة 47 من قانون التحكيم

يقصد بايداع حكم التحكيم ذلك الفعل المادي المتمثل في تسليم الحكم الى ادارة كتاب المحكممة المختصة كي تطلع المحكمة عليه وتتأكد من استيفاءه للشروط الاساسية للتنفيذ[3].
وتكمن اهمية الايداع في تمكين الخصوم من الاطلاع عليه وتمكين القاضي المختص من مراقبة الحكم والتحقق من توافر الشروط اللازمة لاصدار الامر بالتنفيذ. فايداع حكم التحكيم هو وسيلة القضاء في الرقابة على تنفيذ احكام التحكيم ، فاذا لم يتم الايداع فلا يمكن ان يأمر القاضي بتنفيذ حكم التحكيم جبرا ، وان كان عدم الايداع لا يؤثر في صحة الحكم ولكن ايضا لا يمكن المضي في تنفيذ الا بالايداع[4].
ووفقا لنص الفقرة الاولى من المادة 47 من قانون التحكيم رقم 27 لسنة 1994 فإنه " يجب على من صدر حكم التحكيم لصالحه ايداع اصل الحكم او صوره موقعة منه باللغة التي صدر بها او ترجمة باللغة العربية مصدقا عليها من جهة معتمدة ، اذا كان صادرا بلغة اجنبية وذلك في قلم كتاب المحكمة المشار اليها في المادة 9 من هذا القانون ، ويحرر كاتب المحكمة محضرا بهذا الايداع ، ويجوز لكل من طرفي التحكيم طلب الحصول على صورة من هذا المحضر."
ويتضح من هذا النص ان اجراءات ايداع حكم التحكيم يحكمها نظام معين ، يمكن تتبعه من خلال النقاط التالية:
اولا- المختص بالايداع : يختص المحكوم له او من يوكله بايداع حكم التحكيم ، وفي حال تعدد المحكوم لهم ، فلأي منهم ايداع الحكم .
وقد يكون الاختصاص بالايداع لكلا من طرفي الحكم التحكيمي وذلك في الحالة التي يصدر الحكم لصالح الطرفين في اجزاء من الحكم.
ولم يقرر النص حق هيئة التحكيم في ايداع الحكم ، ومع ذلك يجوز للمحكم ان يقوم بايداع الحكم التحكيمي ذلك ان نص المادة 47/1 لم يمنع ذلك بل جاء النص ليقرر احقية المحكوم له في الايداع ، على انه في حال ايداع المحكم للحكم التحكيمي فيكون على المحكوم له استلام شهادة بايداع الحكم من قلم الكتاب.
ثانيا – ميعاد الايداع: لم يحدد النص ميعاد لعملية الايداع ، وعلى الاغلب ان يسارع المحكوم له بايداع تمهيدا لاستصدار امر التنفيذ . وان كان المشرع قد قرر فوات مدة 90 يوما حتى يمكن تنفيذ الحكم (م 54 ، 58 تحكيم) ، الا انه يمكن ايداع الحكم قلم كتاب المحكمة المختصة حتى ولولم تنقضي هذه الفترة الزمنية والتي قررها المشرع للبدء في التنفيذ وليس الايداع[5].
جدير بالذكر ان المادة 508 مرافعات كانت توجب ايداع الحكم خلال الخمسة عشر يوما التالية لصدوره، وبمقتضي نص المادة 47/1 اصبح في مقدور المحكوم له ايداع الحكم دون الالتزام بهذه المدة.
ثالثا – قلم كتاب المحكمة المختصة : حدد النص المحكمة المختصة بايداع حكم التحكيم قلم كتابها وفقا لنوع التحكيم :
أ‌.  في احكام التحكيم الوطني: يتم الايداع في قلم كتاب المحكمة المختصة اصلا بنظر النزاع سواء كانت جزئية او ابتدائية او استئناف، بمعنى ان النزاع الاصلي اذا كان يدخل في اختصاص المحكمة الجزئية نوعيا او قيميا فتكون هذه المحكمة هى المختصة بعملية ايداع حكم التحكيم ، وهكذا بالنسبة للمحكمة الابتدائية ، واذا كان التحكمي واردا على قضية استئناف تكون محكمة الاستئناف هى المختصة بعملية الايداع سواءكانت محكمة ابتدائية بهيئة استئنافية او استئناف عالي، اما اذا كان التحكيم واردا على قضية منظورة امام محكمة النقض فيكون الايداع امام محكمةاستئناف القاهرة مالم يتفق الطرفان على غير ذلك.
ب‌. في احكام التحكيم التجاري الدولي: حددت المادة 74/2 يكون ايداع حكم التحكيم في قلم كتاب محكمة استئناف القاهرة او قلم كتاب اي محكمة استئناف اخرى يتم الاتفاق عليها من طرفي التحكيم.
رابعا – محل الايداع:
يقوم المحكوم له بايداع اصل حكم التحكيم او صورة منه باللغة التي صدر بها او ترجمة باللغة العربية مصدقا عليها من جهة معتمدة اذا كان صادرا بلغة اجنبية (م 47/2) ، ويلاحظ ان المادة لم تحدد المقصود بالصورة هل هى صورة فوتوغرافية عادية ام صورة طبق الاصل ام صورة معتمدة من هيئة التحكيم ، كما يلاحظ ان القانون لم يشترط ايضا ايداع ترجمة للحكم اذا كان صادرا بلغة اجنبية ، وانما اكتفى بالترجمة بديلا عن اصل الحكم او صورته.
ويذهب الفقه الى انه من الافضل ان تتضمن مشتملات الايداع على الاوراق التي تتضمن طلبات الخصوم الختامية ومذكرات الدفاع والمستند الذي يثبت اتفاق الخصوم على مد مهلة التحكيم ، حتى تتمكن المحكمة من القيام بمهمتها على الوجه الصحيح[6].
ويحرر قلم كتاب المحكمة محضرا بايداع الحكم ومشتملاته ويجوز لكل من طرفي التحكيم طلب الحصول على صورة من هذا المحضر( م 47/2تحكيم).
ويلاحظ ان عدم اتباع النظام المقرر للايداع بمقتضي نص المادة 47 تحكيم لا يؤدي الى بطلان حكم التحكيم ، اذ ان الايداع اجراء لاحق على صدور الحكم ولا يؤدي عدم القيام به او تعيبه الى بطلان الحكم الصادر قبله، ونرى ان الجزاء في هذه الحالة هو اعتبار الايداع المخالف لحكم المادة ( 47 تحكيم) كأن لم يكن.
اجراءات تنظيم ايداع حكم التحكيم وفقا لقرارات وزير العدل
تبين من استعرض احكام المادة 47 تحكيم نظام ايداع حكم التحكيم من حيث المختص بالايداع وميعاده والمحكمة المقرر الايداع بها و محل الايداع ، وبهذا الطريق تكون عملية الايداع قد تمت، ومن ثم تبدأ اولى اجراءات التنفيذ ضد المحكوم عليه.
الا ان تنظيم اجراءات الايداع التي جاء بها قرار وزير العدل رقم 8310 لسنة 2008  قد قررت ضرورة عرض الاوراق ( محل الايداع) على المكتب الفني للتحكيم بوزارة العدل والذي يقرر بعد الاطلاع عليها والتأكد من مطابقتها للقانون اصدار قرار بقبول او عدم قبول عملية الايداع.
وقد كان هذا القرار محل انتقاد من الفقه بشكل كبير. فكيف تنظم حاليا اجراءات الايداع وفقا لذلك القرار ؟ وما هو تقييمنا للقرار واثاره على نظام التحكيم؟
اولا –  قرارات وزير العدل
تتابعت قرارات وزير العدل المتعلقة بتنظيم اجراءات ايداع احكام التحكيم ، وقد كان من اللافت ما لحق تلك القرارات من عوار بمخالفة القانون وافتئات على سلطة قاضي التنفيذ ، مما جعلها محلا لانتقاد واسع من الفقه. ومع ذلك مازال العمل يجري وفق تلك القرارات وايا كانت الحجج التي بنيت عليها القرارات الا ان ذلك لا يمكن تبرر مخالفتها للقانون هذا بالاضافة الى الاثار السلبية التي قد تترتب على نظام التحكيم بأكمله، وفيما يلي نتناول بالتحليل قرارات وزير العدل يلي ذلك تقييم تلك القرارات :
1-منشور رقم 15 – مكتب مساعد وزير العدل لشؤون التحكيم
نشير - بداية - الى صدرو منشور رقم 15 من مكتب مساعد وزير العدل لشئون التحكيم والذي تتضمن مادتين:
الاولى: يتم عرض جميع احكام التحكيم المقدمة للتنفيذ على مستشار وزير العدل لشئون التحكيم ، ولا تنفذ الا بموافقة سيادته شخصيا.
الثانية : لا يجوز ايداع اي حكم تحكيم قلم الكتاب في حالة : - اذا كان الحكم خاص بعقار او متضمنا حق على عقار او اي شئ يمس العقار ، سواء من املاك الدولة او الافراد. – اذا كان حكم التحكيم خاص بمسائل الاحوال الشخصية فيرفض ايداعا هذه الاحكام.

2- قرار وزير العدل رقم 6910 لسنة 2008 بانشاء المكتب الفني للتحكيم ليتولى فحص طلبات ايداع احكام التحكيم.
صدر قرار وزير العدل بتنظيم اجراءات ايداع احكام التحكيم طبقا لقانون التحكيم رقم 27 لسنة 1994 ، واشتمل على الاتي:
-      المادة 2 من القرار
نصت المادة على انه " يقدم طلب ايداع حكم التحكيم الى قلم كتاب المحكمة المختصة من المحكوم لصالحه او وكيله بموجب توكيل رسمي خاص، ويرسل الى المكتب الفني للتحكيم بوزارة العدل لابداء الرأي"
اي ان قبول عملية الايداع في قلم كتاب المحكمة المختصة اصبحت من اختصاص المكتب الفني لوزير العدل ، فماذا لو لم يقبل المكتب الفني عملية الايداع ؟ فإي الطرق التي يمكن بها التظلم من القرار ؟ ذلك التساؤل لم يجب عليه قرار وزير العدل المذكور، كما ان من شأن ذلك الاجراء ان يطيل من امد تنفيذ احكام التحكيم وقد يكون من شأنه ان ينسف نظام التحكيم بأكمله اذا لم يحدد سبيل التظلم من قرار المكتب الفني برفض الايداع.
-      المادة 3 من القرار
لقد جاء بالمادة الثالثة من القرار انه " لا يقبل قلم الكتاب طلب ايداع حكم التحكيم الا بعد فوات مدة التسعين يوما المقررة لاقامة دعوى بطلان حكم التحكيم ، والتي تبدأ من تاريخ اعلان الحكم للمحكوم عليه على ضوء ما تقضي به المادة 54 من قانون التحكيم في المواد المدنية والتجارية الصادرة بالقانون رقم 27 لسنة 1994)."
ويتضح من نص المادة المذكورة ان قلم الكتاب قد اصبح له سلطة في مراجعة الاوراق والتأكد من مرور 90 يوما من تاريخ اعلان حكم التحكيم للصادر ضده الحكم ، وفي حالة المخالفة يرفض قلم الكتاب تسلم الاوراق.
وفي رأينا ان هذا النص يخالف صريح نص المادة 47 تحكيم والتي لم تشترط مرور هذه المدة لايداع حكم التحكيم ، فمرور هذه المدة مقرر فقط للبدء باجراءات التنفيذ وفقا لنص المادة 58/1 تحكيم.
-      المادة 4 من القرار
تنظم المادة 4  من قرار وزير العدل عملية اصدار المكتب الفني للتحكيم القرار بشأن عملية الايداع من حيث شروط اصدار القرار بالا يكون الحكم المطلوب ايداعه مخالفا للنظام العام والاداب ، ولا يتعلق بحق عيني على عقار او بحيازته او تسليمه او بتثبت ملكيته او قسمته وانه لا يتعلق بعقار بأي صورة من الصور، ولا ان يتعلق الحكم باحدى مسائل الاحوال الشخصية للمسلمين او غير المسلمين مصريين او اجانب ، ولا ان يتعلق الحكم باحدى المسائل الجنائية ، ولا ان يتضمن الحكم التحكيمي بقضاء باثبات الصلح في احدى المسائل المشار اليها في البنود السابقة ، ولا ان يتعلق الحكم التحكيمي بمسائل مما لا يجوز فيها الصلح.
وعلى المكتب الفني التأكد من ان المحكمة مختصة بايداع الحكم طبقا للمادتين 9 ، 47 تحكيم.
-    المادة 5 من القرار
قررت المادة 5 من القرار بانه " بعد صدور القرار بقبول ايداع حكم التحكيم ، يحرر الكاتب المختص محضرا بايداع حكم التحكيم يتضمن تاريخ صدوره واسماء المحكمين الذين اصدروه وعناوينهم ، وصفاتهم واسماء الخصوم وعناوينهم ، ومنطوق الحكم ، واسم طالب الايداع وعنوانه وصفته."
-    المادة 6 من القرار
وفقا لنص المادة 6 من القرار فانه " يجوز لكل من طرفي التحكيم الحصول على صورة من محضر ايداع حكم التحكيم.."

3 - قرار وزير العدل رقم 9739 لسنة 2011
بعد مرور ثلاث سنوات من اصدار القرار الوزاري رقم 8310 لسنة 2008 وما تعرض له هذا القرار من النقد من الفقه وما تخلف عنه من صعوبات امام القضاء ، ونظرا لجدية الانتقادات التي وجهت الى هذا القرار الاخير ، فقد اصدر وزير العدل القرار رقم 9739لسنة 2011 بهدف افساح المجال شيئا ما امام اجراءات ايداع حكم التحكيم بغرض الحصول على امر بتنفيذ احكام التحكيم التي قيدها القرار السابق بشكل كبير[7].
ويرى الفقه[8] ان القرار الجديد لا يختلف في جوهره عن القرار القديم من ناحية استلزام عرض طلبات ايداع احكام التحكيم قبل عرضها على قاضي التنفيذ على المكتب الفني للتحكيم بوزارة العدل لابداء الرأي فيها. وهو ما يمثل وفقا للفقه استمرارا لفرض وصاية السلطة التنفيذية على السلطة القضائية بشأن مسائل متعلقة بامور تدخل في صميم اختصاص السلطة القضائية مع ان الاجماع الفقهي منعقد على ضرورة الغاء المكتب الفني للتحكيم بوزراة العدل.وبذلك تمثل هذه القرارات الوزارية عوائق امام تنفيذ حكم التحكيم الاجنبي الذي تم الاتفاق على اخضاعه للقانون المصري.



ثانيا : تقييم قرارات وزير العدل بتنظيم اجراءات ايداع احكام التحكيم
يمكن القول بأن قرار وزير العدل رقم 8310 لسنة 2008 قد صدر بالمخالفة لقانون التحكيم ، كما ان له اثاره السلبية على نظام التحكيم ، وتفصيل ذلك في النقاط التالية:
1- مخالفة القرار لنص المادة 47 تحكيم
بصدور قرار المكتب الفني للتحكيم بوزارة العدل بقبول عملية الايداع ، يحرر قلم الكتاب محضر الايداع ، ويسلم صورة رسمية منه لمن يطلب من الطرفين ن وبذلك يكون القرار الوزاري قد قيد عملية ايداع احكام التحكيم وغيرها من مجرد عملية مادية الى عملية تحتاج صدور قرار ولائي من المكتب الفني للتحكيم بالوزارة.
وبذلك يكون قرار وزير العدل قد اضاف قيودا لتنفيذ حكم التحكيم ، وهى القيود التي لم ترد في قانون التحكيمن كما انه سلط المكتب الفني للتحكيم على المحكمة المختصة باعطاء امر التنفيذ حيث ان المكتب اغتصب سلطتها اذ انه يقوم بذات عمل القاضي ويتحقق من نفس الشروط.
وفقا لقرار وزير العدل فانه يتعين ان يقدم طلب الايداع من صاحب الطلب والا فان على ان يتقدم بالطلب لابد وان يكون موكلا بتوكيل رسمي خاص حتى يقبل منه الطلب وهذا القيد لم يرد بنص المادة 47 من قانون التحكيم السابق ذكر نصها[9].
فالقرار لم ينظم الية للحصول على موافقة مساعد وزير العدل على ايداع طلب تنفيذ حكم التحكيم وكذلك لم ينظم الية لمعرفة مصير حكم التحكيم في حال رفض الموافقة على تنفيذه ، ومن شأن هذا القيد ان يعرقل سير عمل نظام التحكيم الوطني والاجنبي الخاضع للقانون المصري في تحقيق اهدافه من سرعة الفصل في الدعاوى[10].
2-  مخالفة الدستور
لما كانت اجراءات التنفيذ للاحكام القضائية واحكام التحكيم الوطنية والاجنبية قد رسمها قانون المرافعات ، فقد مثل قراري وزير العدل تدخلا في اختصاصات قاضي التنفيذ المنوط به تنفيذ احكام التحكيم عامة وعلى الاخص احكام التحكيم الاجنبية الخاضعة للقانون المصري في الوقت الذي لا اختصاص للمكتب الفني للتحكيم بقبول او رفض ايداع هذه الاحكام وفقا لقانون المرافعات ، وبذلك يمثل هذين القرارين اغتصابا لولاية محكمة التنفيذ في مراجعة احكام التحكيم الاجنبية قبل اصدار امر التنفيذ[11].
ومن ناحية اخرى فإن هذين القرارين يتعارضان مع نص المادة 184 من الدستور المصري الجديد والتي تنص على انه " السلطة القضائية مستقلة، تتولاها المحاكم على اختلاف انواعها ودرجاتها ، وتصدر احكامها وفقا للقانون.." وتؤكد على ذلك المحكمة الدستورية في احكامها ، ومن شأن قرارات المكتب الفني للتحكيم المنشأ بالقرار 6910 ان يمثل سلطة موازية للقضاء وهو ما يمثل اعتداءا صارخا على استقلال السلطة القضائية بنظر كافة المنازعات وسلطة تنفيذ منطوق الاحكام التي تصدرها[12].
3-  رفض الايداع يؤدي الى اهدار احكام التحكيم الاجنبية
ان اصدار المكتب الفني للتحكيم قراره برفض عملية ايداع حكم التحكيم الاجنبي بما يرتبه من عدم امكانية تنفيذه وبدون تقديم اسباب لهذا الرفض من شأنه عدم استطاعة المحكوم له الحصول على امر تنفيذ ومن ثم تصبح حكم التحكيم لا قيمة له ، فالمحكوم له يحوز حكما لا يستطيع تنفيذه ولا يملك الطعن على قرار المكتب الفني ذلك ان هذا القرار لم يحدد طبيعة عمل المكتب الفني ولم تتحدد طبيعة قراراته ؛ كقرار اداري او ولائي او قضائي[13]. كما لا يمكن اللجوء الى القضاء برفع دعوى جديدة بذات الموضوع حيث سيدفع بسبق الفصل في الموضوع ، كما لا يستطيع المحكوم له اللجوء الى تحكيم جديد ولا يمكن التنازل عن حكم  التحكيم استعدادا لرفع دعوى جديدة لان التنازل عن الحكم يتضمن تنازل عن الحق الثاتب به[14].
الخاتمة
بعد تتبع النظام الذي قررته المادة 47 من قانون التحكيم بشأن الايداع ، فقد تبين سلاسة الاجراءات التي اشار اليها القانون ، وبتطبيقها كانت عملية الايداع مجرد عملية مادية شكلية لا ترتبط بموافقة ما سوى ايداع الاوراق على النحو الذي اشارت اليه المادة في نصها.
غير ان قرارات وزير العدل على نحو ما رأينا بالمخالفة للقانون والدستور ومن شأنها اهدار احكام التحكيم الاجنبية في حال رفض عملية الايداع ، وهي القرارات التي من شأنها ان تؤدي الى ابطاء اجراءات تنفيذ احكام التحكيم في مصر وهى الآفة التي يحاول نظام التحكيم علاجها ، اي ان قرارات وزير العدل بالاضافة الى مخالفتها للقانون فإنها سوف تؤثر سلبا على فعالية نظام التحكيم في مصر.
لذلك نقترح في خاتمة هذه الورقة الغاء كافة القرارات الصادرة بتنظيم اجراءات الايداع من وزير العدل ، على ان تتفق اية قرارات تصدر لاحقا بشأن الايداع مع ما قررته المادة 47 من قانون التحكيم باعتبارها الاساس الذي يتم تنظيم بناء عليه اجراءات ايداع احكام التحكيم.


د. السيد عبدالماجد

مركز الدراسات القانونية الاقتصادية واللوجستيات
الاسكندرية - مصر
sayed.quisay@gmail.com
00201115870807 




[1]  احمد شرف الدين ، قواعد التحكيم" اتفاق التحكيم – اجراءات الخصومة والحكم فيها" ، بدون دار نشر ، 2007 ، ص 235
[2] احمد هندي ، تنفيذ احكام المحكمين ، دار الجامعة الجديد ، طبعة 2009 ، ص 75
[3] احمد هندي ، تنفيذ احكام المحكمين ، مرجع سابق ، ص 76
[4] على سالم ابراهيم ، ولاية القضاء على التحكيم ، 1997 ، ص 295
[5] عاشور مبروك ، النظام القانوني لتنفيذ احكام التحكيم ، ط 2 ، 2002 ، ص 43
[6] احمد هندي ، تنفيذ احكام المحكمين ، مرجع سابق ، ص 76
[7] نص قرار وزير العدل رقم 9730 لسنة 2011 على انه " مادة1 : يلغى نص المادة 3 من قرار وزير  العدل رقم 8310 لسنة 2008. – مادة2 : يستبدل نص المادة 4 من قرار وزير العدل رقم 8310 لسنة 2008 بالنص الاتي: يبدى المكتب الفني للتحكيم بوزارة العدل رأية كتابة : بقبول او عدم قبول طلب ايداع حكم التحكيم وذلك بعد التحقق مما يلي:
اولا : ان الحكم المطلوب ايداعه لا يتضمن ما يخالف النظام العام في جمهورية مصر العربية او ان التحكيم لا يتعلق بمسائل لا يجوز فيها الصلح.
ثانيا: ان المحكمة المطلوب ايداع حكم التحكيم قلم كتابها مختصة بالايداع طبقا لنص المادتين 9 ، 47 من قانون التحكيم المصري رقم 27 لسنة 1994.
مادة 3 : يضاف الى القرار المذكور مادة جديدة برقم 7 بالنص الاتي : " يختص رئيس المحكمة المودع لديها الحكم او من يندبه من قضاتها باصدار الامر بتنفيذ الحكم بعد التحقق من توافر الشروط والمواعيد المنصوص عليها بالمادة 58 من قانون التحكيم."
[8] احمد هندي ، تنفيذ احكام المحكمين الوطنية والاجنبية ، مرجع سابق ، ص 179
[9] احمد هندي ، المرجع السابق ، ص 173
[10] نبيل عمر ، دعوى بطلان حكم المحكم، دار الجامعة الجديدة ، 2011، ص 127
[11] احمد هندي ، المرجع السابق ن ص 177
[12]  من احكام المحكمة الدستورية التي تؤكد على استقلال القضاه بتولي كافة المنازعات بما في ذلك اجراءات التنفيذ الحكم في القضية رقم 34 لسنة 16 قضاء دستوري ، جلسة 15 يوينو 1996 و التي قضت فيها " ان استقلال السلطة القضائية واستقلال القضاة، وكفلتهما المادتان 165 و 166 ( من دستور مصر لسنة 1971 ) توقيا لاي تأثير محتمل قد يميل بالقاضي انحرافا عن ميزان الحق ، الا ان الدستور نص كذلك على انه لا سلطان على القضاة في قضائهم لغير القانون .  وهذا المبدأ الاخير لا يحمي فقط استقلال القاضي ، بل يحول كذلك دون ان يكون العمل القضائي وليد نزعة شخصية غير متجردة...".
[13] احمد هندي ، تنفيذ احكام المحكمين الوطنية والاجنبية ، مرجع سابق ، ص 175
[14] نبيل ا سماعيل عمر ، التنفيذ الجبري للسندات التنفيذية ، دار الجامعة الجديدة بالاسكندرية ، 2012 ، ص 103

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

مراحل ابرام المعاهدات في القانون الدولي.. د. سيد عبد الماجد

تاريخ اكتشاف النفط في قطر .. د. سيد عبدالماجد

الاجماع .. كأحد مصادر التشريع الاسلامي