نظرة على التنظيمات القضائية ....د. سيد عبدالماجد



نظرة على
النظام القضائي الموحد والنظام القضائي المزدوج
د. سيد عبدالماجد

تعرف الانظمة القضائية في دول العالم نوعين من التنظيم القضائي وهما النظام القضائي الموحد والنظام القضائي المزدوج ، وفي هذه الورقة سوف نلقي الضوء على كل من النظامين بما فيهما من مزايا وعيوب :
اولا – النظام القضائي الموحد
يقصد بالقضاء الموحد ان تختص المحاكم بالفصل في كل المنازعات دون تمييز بين المسائل العادية والمسائل الادارية ، ومن ثم تخضع كافة المنازعات والدعاوى القضائية الى جهة قضائية واحدة مهما كانت طبيعة المنازعات اي سواء كانت ناتجة عن انشطة خاصة او عامة او صفات اطرافها اي سواء كانت اشخاص خاصة او عامة ومن ثم تتساوى الادارة مع الاشخاص امام هذا القضاء[1] ، وتطبق المحاكم قواعد القانون العادي شكلا وموضوعا فلا توجد قواعد خاصة بالادارة كما هو موجود بالقانون الاداري. ومن ابزر الدول التي تأخذ بهذا النظام الولايات المتحدة الامريكية وانجلترا و عربيا الاردن والعراق .. وغيرها.
تقدير النظام القضائي الموحد:
اختلف الفقه في تقدير هذا النظام ما بين مؤيد ساق عددا من مزايا القضاء الموحد ومعارض انتقد بعض العيوب على النحو التالي[2]:
مزايا النظام القضائي الموحد:
1-  البساطة والوضوح وسهولة التطبيق في تحديد الجهة القضائية المختصة والاجراءات الموحدة التي تتبع بشان كافة الدعاوى ، ومن ثم لا مجال  لمشاكل التنازع الايجابي والسلبي المعروفة في القضاء المزدوج.
2-     تحقيق مبدأ المساواة امام القانون بين الاشخاص الطبيعية والمعنوية وجهات الادارة.

عيوب النظام القضائي الموحد:
1-   هناك طبيعة خاصة لنشاط الادارة العامة تختلف عن نشاط الاشخاص ، فالادارة لها من الامتيازات والسلطات والاهداف التي يجب اخذها في الاعتبار بما يجب معها تخصيص قانون مستقل ومحاكم ادارية مستقلة[3].
2-   يمكن تحقيق مبدأ المساواة امام القانون في ظل النظام القضائي المزدوج ، ولا يقتصر تحقيق المبدأ اذا كانت الدعاوى تنظر امام قضاء واحد
3-   ان غاية تحقيق العدالة تتحقق اكثر اذا تم احترام مبدأ التخصص وتقسيم المحاكم الى محاكم عادية واخرى ادارية.
4-  نظام القضاء الموحد لا يحترم مبدا الفصل بين السلطات ومبدأ وحدة السلطة الرئاسية ومبدأ التدرج الاداري .
ثانيا- النظام القضائي المزدوج
يقصد بالنظام القضائي المزدوج توزيع الاختصاص القضائي بحسب اطراف النزاي او موضوع النزاع[4] ، فهناك القضاء العادي صاحب الولاية العامة بمحاكمه ودرجاته والى جانبه القضاء الاداري والمختص بالرقابة القضائية على اعمال الادارة العامة بالنظر في المنازعات الادارية وفق اجراءات تختلف عن اجراءات التداعي امام القضاء العادي ،ويطبق الاحكام الخاصة بالقانون الاداري. وقد عرفت فرنسا ومصر ولبنان .. وغيرها من دول العالم النظام القضائي المزدوج.
تقدير النظام القضائي المزدوج:
انتقد جانب من الفقه هذا النظام مبرزا عددا من العيوب ، فيما دافع جانب اخر عن النظام القضائي المزدوج موضحا عددا من المزايا، وذلك على النحو التالي[5]:
مزايا النظام القضائي المزدوج:
1-  التخصص ومراعاة مقتضيات الادارة العامة: حيث يتخصص القاضي الاداري في المسائل التي تتعلق بالقانون العام فيما يتخصص القاضي العادي بالنزاعات الخاصة بالقانون الخاص. مما يؤدي الى تحقيق مزايا التخصص، كالفهم العميق للقانون وتخفيف العبء على محاكم القضاء العادي.
2-   يمكن تحقيق مبدأ المساواة ومبدأ الشرعية وسيادة القانون امام القضاء العادي والاداري.
3-  تكريس مبدأ الفصل بين السلطات ، حيث ان القاضي الاداري المتخصص يكون على دارية عالية بحدود هذا المبدأ.
عيوب النظام القضائي المزدوج:
1-    التمييز بين الافراد والادارة مما قد يؤدي الى عدم المساواة امام القانون.
2-  هناك العديد من التعقيدات والغموض سواء من ناحية الاجراءات او طبيعة القواعد القانونية المطبقة وخاصة مشكلة التنازع في الاختصاص القضائي وصدور احكام من القضاء العادي تناقض احكام القضاء الاداري
ماذا يعني ذلك؟
ان كلا من النظامين يواجه العديد من الانتقادات ..والحق انها وجيهة، ويتمتع كلاهما بعدد من المزايا.. والحق انها مفيدة للعدالة.
ما يهمنا هو الناحية التطبيقية الفعالة والمنجزة لكل نظام.. فقد يفيدنا التنظيم القضائي الموحد اكثر من المزدوج او العكس.
واقعنا في مرفق العدالة اكد في السابق ومازال ان التنظيم القضائي المصري الحالي قد اضر ضررا بالغا بقيمة واهمية العدالة..  
فالنظام القضائي المزودوج المطبق في مصر شديد الاخفاق في كفالة الحماية القضائية للمتقاضين، حتى اصبح تجنب طريق المحاكم المصرية سمة في التعاقدات المدنية والتي تختار وسيلة " التحكيم" كطريق لحل النازعات التعاقدية.. كما ان الجهات الحكومية - معظمها - يلجأ لانشاء لجان داخلية لحل المنازعات كبديل عن الالتجاء الى المحاكم .. كما ان المشرع - وقد لاحظ الاضرار البالغة لبعض الفئات من سلبيات المحاكم- قد قرر بعض النصوص لانشاء مكاتب وهيئات سابقة لعرض النزاع امام المحاكم ومن اهم صوره مكاتب الصلح في محكمة الاسرة ، وهيئة التحضير في المحكمة الاقتصادية .. 
تظهر نتائج هذه المعالجات الجزئية ان النظام القضائي المزدوج المطبق في مصر يعاني العديد من الامراض التي لم تفلح هذه المعالجات في القضاء عليها بل لا نبالغ اذا قلنا انها قد عمقت من المرض واصبح الحصول على العدالة الناجزة من الامور العسيرة - هيئة التحضير في المحكمة الاقتصادية كمثال اطال من امد التقاضي بعكس المرجو منها- ، فالتنظيم القضائي المصري بحاجة الى اعادة تنظيم هيكلية اذا ما اردنا ان نعود بالعدالة الى مسارها الصحيح في المجتمع المصري.. وهذه المسألة محل مقالة مفصلة قريبا.
وقبل ان نختم رأيت ان اضع نموذج للتنظيم القضائي في احدى الدول العربية ، به بعض العيوب ايضا .. ولكنه حاول ان يجمع بين مزايا النظام القضائي الموحد والمتعدد ، فأنشأ نظاما قضائيا يمكن تسميته " بالمختلط" .. الحديث هنا عن التنظيم القضائي في دولة قطر.. فما هى ملامح هذا التنظيم؟؟

 النظام القضائي وفقا للدستور والقانون القطري
يؤكد الدستور القطري على ان حق التقاضي مصون ومكفول للناس كافة ( المادة 135) ، وهو مبدأ عام ارساه الدستور القطري ، يحق بموجبه لكل من يتعرض للخطر في اي من حقوقه او مركزه القانون ان يلجأ الى القضاء ايا كان خصمه شخصا عاديا او احد شخوص الادارة.
كما قرر الدستور القطري صراحة بالمادة 138 " يحدد القانون الجهة المختصة بالفصل في المنازعات الادارية .." ومن ثم فإنه من الناحية الدستورية اتجه المشرع القطري الى الاخذ بنظام القضاء المزدوج.
وقبل عام 2007 م لم يعرف النظام القضائي الدعاوى الادارية حيث لم ينص قانون المرافعات القطري على اختصاص المحاكم بالطعون في القرارات الصادرة من الجهات الادارية، فلم يكن امام الشخص الذي يتضرر من القرار الاداري سوى التظلم امام الجهة الرئاسية في الادارة ، ومن ثم كانت هناك شكوك في حيادية هذه الجهة باعتبارها مصدر القرار.
وقد صدر القانون رقم 7 لسنة 2007 بشأن المنازعات الادارية ، والذي حدد اختصاصات الدائرة الادارية في المادة الثالثة من القانون بالنظر في الطعون على القرارات الادارية وهى المنازعات الخاصة بالمرتبات والمعاشات والعلاوات والمكافآت أياً كانت درجاتهم الوظيفية، والطلبات التي يقدمها ذوو الشأن بإلغاء القرارات الإدارية النهائية الصادرة بترقية موظفين والقرارات التأديبية، والطلبات التي يقدمها الأشخاص الطبيعيون والمعنويون بإلغاء القرارات الإدارية.
 من الواضح ان القراءة التحليلية لهذه النصوص الدستورية والقانونية تؤدي الى ابراز بعض العيوب - كمثال: المنازعات المستثناه من نظرها امام الدائرة الادارية في البند الثاني من المادة الثالثة مثل تراخيص الصحف ونزع الملكية للمنفعة العامة وغيرها.
 ان استثناء هذه النزاعات من نظرها امام الدائرة الادارية يخالف مبدأ حق التقاضي الذي كفله الدستور القطري ، فيجب ان يتوافر للجميع حق التقاضي تطبيقا للدستور القطري بشأن كافة القرارات التي تم يرى فيها ذوي المصلحة ضررا عليهم.
ولما كان النظام القضائي المتعدد يستوجب وجود قضاء اداري مستقل بمحاكمه ودرجاته عن القضاء العادي، فيما ان النظام القضائي الموحد يستوجب عرض كافة النزاعات على قاضي واحد .. وكان التنظيم القضائي القطري قد اقتصر على انشاء دائرة ادارية في المحكمة الابتدائية واخرى في محكمة الاستئناف ، فإن النظام القضائي القطري يعد نظاما قضائيا مختلطا بين التنظيم القضائي الموحد والمتعدد.
وتظهر النتائج السنوية التي يصدرها المجلس الاعلى للقضاء في قطر تحقيق معدلات عالية للغاية في انجاز الدعاوى القضائية في ظل هذا النظام المختلط.
حقيقة الامر اننا لا نحبذ نقل التجربية وتطبيق هذا النظام .. وما يمكن ان نأخذه هو التوجه والرؤية
فالمشرع القطري عندما قرر التنظيم القضائي قد راعي الخصوصية المجتمعية التي يختلف بها عن المجتمع الفرنسي ( مهد النظام المتعدد) والمجتمعات الانجلوساكسونية ( مهد النظام الموحد).
هذا هو ما نحتاجه في تنظيمنا القضائي المصري ، ان نبدأ بما يتوافق مع بيئتنا وثقافتنا ومجتمعنا .. هذه الرؤية سوف اعرضها في مقالة لاحقة.
د.السيد عبدالماجد
sayed.quisay@gmail.com

 

[1] ثروت بدوي ، مبادئ القانون الاداري ، دار النهضة العربية ، 26
[2] انور رسلان ، وجيز القانون الاداري ، ط 2004، 43
[3] يحى الجمل ، القضاء الاداري، دار النهضة العربية ، 1968 ، 32
[4] محمد عبدالحميد ابوزيد ، الطابع القضائي للقانون الاداري ، دراسة مقارنة ، 1984 ، ص 107 وما بعدها
[5] ماجد راغب الحلو، القضاء الاداري، منشأة دار المعارف ، 1985، 43

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

مراحل ابرام المعاهدات في القانون الدولي.. د. سيد عبد الماجد

تاريخ اكتشاف النفط في قطر .. د. سيد عبدالماجد

الاجماع .. كأحد مصادر التشريع الاسلامي