د. سيد عبد الماجد .. جرائم اصدار شيك بدون رصيد في القانون القطري

 

 جرائم اصدار شيك بدون رصيد في القانون القطري

نصت المادة 357 من قانون العقوبات القطري على أن يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن ثلاثة أشهر ولا تجاوز ثلاث سنوات، وبالغرامة التي لا تقل عن ثلاثة آلاف ريال ولا تزيد على عشرة آلاف ريال، أو بإحدى هاتين العقوبتين، كل من ارتكب بسوء نية أحد الأفعال التالية:

1.    أعطى شيكاً لا يقابله رصيد قائم وقابل للسحب، أو كان الرصيد أقل من قيمة الشيك.

2.    سحب بعد إعطاء الشيك كل المقابل أو بعضه، بحيث لا يفي الباقي بقيمته.

3.    أمر المسحوب عليه الشيك بعدم صرفه.

4.    تعمد تحرير الشيك أو التوقيع عليه بصورة تمنع صرفه.

5.    ظهّر لغيره أو سلمَّه شيكاً مستحق الدفع لحامله، وهو يعلم أنه ليس له مقابل يفي بكامل قيمته أو أنه غير قابل للصرف.

 

وفي جميع الأحوال، للمحكمة أن تقضي، بناءً على طلب ذوي الشأن، بإلزام المحكوم عليه في الجريمة، بدفع قيمة الشيك والمصروفات التي تحملها المستفيد. وتتبع في تنفيذ هذا الحكم الإجراءات المقررة في قانون المرافعات المدنية والتجارية. فإذا رأت المحكمة أن الفصل في ذلك الطلب يستلزم إجراء تحقيق خاص يترتب عليه تأخير الفصل في الدعوى الجنائية، جاز لها أن تحكم في الدعوى الجنائية.

 

أركان الجريمة

الركن الأول: العنصر المفترض (محل الجريمة أو موضوعها) وهو الشيك

         لا يسري نص المادة 357 من قانون العقوبات إلا على الشيكات دون غيرها من الأوراق التجارية مثل الكمبيالات والسندات.

         ويترتب على ذلك نتيجة مفادها أنه يتوجب على المحكمة أن تتثبت من أن الورقة التجارية المسحوبة هي شيك قبل أن تصدر حكمها. والدفع بأن الورقة التجارية محل الدعوى ليست شيكاً يعتبر من الدفوع الموضوعية الجوهرية.

ولا يشترط لقيام جريمة الشيك بدون رصيد أن يكون أصل الشيك موجوداً تحت نظر القاضي عند الفصل في الدعوى. (محكمة التمييز القطرية)

         يعتبر الشيك عملاً قانونياً مجرداً، فهو يتضمن في ذاته سببه، بمعنى أن سبب اعطاء الشيك لا أثر له على طبيعته، فلا يجوز البحث عن سببه في علاقة سابقة على إصداره أو في واقعة سواء كانت مادية أو قانونية. فالعبرة في ظاهر الورقة، أما أسباب البطلان التي شابت العلاقة بين الساحب والمسحوب عليه أو بين الساحب والمستفيد، فلا يجوز ان تنعكس على صحة الشيك وذلك حماية للثقة فيه.

         وتطبيقاً لذلك لا يبطل الشيك عدم مشروعية سبب إصداره، كما لو قام الساحب بإعطاء الشيك للمستفيد أداء لدين قمار، أو ثمناً لصفة مخدرات عقدت بينهما.

         وبناء على ذلك، فأنه لا يشترط أن تتوافر في الشيك جميع شروط صحته كما هو منصوص عليها في قانون التجارة لكي يتمتع بالحماية الجنائية. فبطلان الشيك لا يحول دون وقوع الجريمة لأن قانون العقوبات له ذاتيته المستقلة، كما يستهدف غايات أخرى غير تلك الغايات التي تستهدفها القوانين الأخرى. فقانون العقوبات ينظر للشيك على أداة خداع ووسيلة للاعتداء على أموال من يتعاملون به. ويترتب على ذلك نتيجة في غاية الأهمية وهي أن جريمة إصدار شيك بدون رصيد تتوافر رغم بطلان الشيك في نظر قانون التجارة.

         ولكن الشيك لا يتمتع بالحماية الجنائية إذا كانت العيوب التي أدت إلى بطلانه قد أهدرت كيانه، وجعلت من الواضح أن الورقة ليست شيكاً أو ليس لها مظهر الشيك. فإن المتعاملين به لن ينخدعوا به، ولن يستخدمونه، ومن ثم لا يكون لتدخل القانون ما يبرره.

         تفترض جريمة إصدار شيك بدون رصيد أن يكون الجاني قد أصدر شيكاً تتوافر فيه كافة الشروط الموضوعية والشكلية التي نص عليها قانون التجارة القطري في المادة 561.

صور الجريمة

1.    جريمة إعطاء شيك ليس له مقابل وفاء قائم وقابل للصرف

الركن المادي:

         يتحقق الركن المادي في هذه الصورة بإعطاء شيك ليس له مقابل وفاء قائم وقابل للصرف. ويقصد بفعل الإعطاء هو إصدار الشيك وطرحه في حركة التداول. ويتم ذلك بتسليم الشيك إلى المستفيد أو من يمثله. والإعطاء كلمة مرادفة لفعل الإصدار أو السحب. ويقصد بها التخلي عن حيازة الشيك نهائياً ودخوله في حيازة المستفيد. ففعل الإعطاء أو الإصدار يتم بالتسليم القانوني للشيك ويتم ذلك بالمناولة المصحوبة بإرادة تغيير الحيازة من قبل مصدر الشيك، وإرادة اكتساب الحيازة لدى من استلمه.

         وتأسيساً على ذلك لا تقوم جريمة الشيك بمجرد تحرير الشيك، ويعتبر ذلك مجرد عمل تحضيري لا عقاب عليه.

وإذا تحقق فعل الإصدار أو الإعطاء تقوم الجريمة ولو لم يتم تقديم الشيك للمسحوب عليه. لأن تقديم الشيك للوفاء بقيمته إلى المسحوب عليه أمر يخرج عن عناصر الجريمة، ويعتبر إجراء مادي يستهدف استيفاء قيمة الشيك، ولا شأن له بتوافر أركان وعناصر الجريمة.

         ويشترط لقيام الجريمة أن يتم تسليم الشيك بفعل إرادي، وبرضا الساحب.

         وإذا تم إرسال الشيك بالبريد من قبل الساحب فلا تقوم الجريمة بمجرد الإرسال، بل لا بد من أن يتسلمه المستفيد لأن ملكية الرسالة ومحتوياتها تبقى ملكاً للمرسل حتى يتسلمها المرسل إليه.

         ويستوي لقيام الجريمة أن يتم التسليم إلى المستفيد أو وكيله أو من يمثله ولكن لا تقوم الجريمة إذا قام الساحب بتسليم الشيك للوكيل للاحتفاظ به لمدة معينة لأن وكيل الساحب لا يعد من الغير. كما أن حيازة الوكيل للشيك تعتبر امتداداً لحيازة الموكل وهو الساحب.

         ولا بد أن يكون التسليم نهائياً لا رجعة فيه، فلا تقوم الجريمة إذا كان التسليم على سبيل الوديعة التي يتم استردادها بعد مدة معينة.

         وإذا تم إصدار الشيك على هذا النحو قامت الجريمة ولا يؤثر في ذلك أن يكون الشيك قد تم تسليمه للمستفيد كتامين لدينه، أو أن يتقاضى الدائن دينه بعد تاريخ الاستحقاق.

         ويعتبر وجود الشيك في حيازة المستفيد قرينة على فعل الإصدار ما لم يثبت الساحب أن الشيك سرق منه أو ضاع أو سلمه للمستفيد على سبيل الوديعة.

         ويجب لاعتبار الورقة التجارية شيكاً أن تكون مسحوبة على نماذج البنك وذلك سنداً للمادة 563 من قانون التجارة والتي تنص على ما يلي: الشيكات الصادرة في قطر والمستحقة الوفاء فيها لا يجوز سحبها إلا على بنك، وعلى نماذج الشيكات الصادرة من هذا البنك، والصكوك المسحوبة في صورة شيكات على غير بنك أو على غير نماذج البنك لا تعتبر شيكات».

         ويتعين لقيام الجريمة أيضاً عدم وجود مقابل وفاء قائم وقابل للصرف. وتتسع هذه العبارة لعدة احتمالات: عدم وجود رصيد، عدم كفاية الرصيد، عدم قابلية الرصيد للصرف. والرصيد هو مقابل الوفاء او المبلغ النقدي الذي أودعه الساحب لدى المسحوب عليه. ويتعين أن يكون الرصيد مساوياً على الأقل لقيمة الشيك، وان يكون قابل للصرف.

         لا تقوم الجريمة إذا كان الرصيد قائماً وموجوداً وكافياً وقابل للصرف. ولكن الجريمة تقوم حتى لو كان الرصيد كافياً متى كان غير قابل للدفع أو الصرف بسبب عدم استطاعة الساحب التصرف بالرصيد لكونه محجوزاً عليه للسفه، أو محكوماً عليه بعقوبة جنائية، أو كان تاجراً وأشهر إفلاسه.

         ولا تقوم الجريمة متى كان الرصيد كافيا وقابلاً للصرف ولو امتنع المسحوب عليه عن الوفاء. ويتعرض المسحوب عليه في هذه الحالة للمساءلة المدنية والجنائية وفقاً للمادة 358 من قانون العقوبات التي تنص على ما يلي: «يعاقب المسحوب عليه بالغرامة التي لا تزيد على مائة ألف ريال، إذا قرر بسوء نية عدم وجود رصيد قائم وقابل للسحب، أو بوجود مقابل أقل من الرصيد الموجود لديه».

         العبرة في قيام الجريمة بعدم وجود رصيد كاف وقابل للصرف وقت إصدار الشيك. فالجريمة تقوم إذا كان الرصيد غير كاف وقت إصدار الشيك وإن توافر الرصيد وقت تقديم الشيك للمسحوب عليه لاقتضاء قيمته.

 

2.    جريمة إصدار شيك ثم سحب مقابل الوفاء كله او بعضه

         ورد النص على هذه الصورة في المادة 357/1/2 من قانون العقوبات.

         تفترض هذه الصورة أن الساحب قد أصدر شيكاً صحيحاً وسليماً من الناحية القانونية، وأن للشيك رصيد قائم وكاف وقابل للسحب. ويقوم الساحب بسوء نية بسحب الرصيد كله أو بعضه بحيث لا يترك مقابلاً كافياً للوفاء، وذلك قبل قيام المستفيد أو الحامل بصرف الشيك.

         تقوم الجريمة إذن في حالتين: قيام الساحب بسحب كامل الرصيد بعد إصدار الشيك، قيام الساحب بسحب جزء من الرصيد بحيث لا يكفي الباقي بالوفاء بقيمة الشيك.

         لا يؤثر في قيام الجريمة عرض الشيك على المسحوب عليه للوفاء بعد انتهاء المواعيد التي نص عليها قانون التجارة المنصوص عليها في المادة 581.

         وعلة العقاب على هذه الصورة أن ملكية المقابل تنتقل للمستفيد منذ لحظة إصدار الشيك بتسليمه له. ومقابل الوفاء يتعين أن يظل قائماً وقابلا للسحب حتى يقدم المستفيد الشيك للصرف. وسحب الرصيد كله أو بعضه بحيث لا يفي الباقي بقيمة الشيك يعد إهداراً للثقة الواجب توافرها في الشيك تتساوى مع إصدار شيك لا يقابله رصيد.

 

3- جريمة إصدار أمر للمسحوب عليه بعدم صرف الشيك

         تقوم هذه الجريمة عندما يصدر الساحب دون مبرر قانوني أمراً للمسحوب عليه بعدم دفع قيمة الشيك أو صرفه. وتفترض هذه الصورة أن يكون للساحب رصيد قائم وكاف وقابل للصرف. ويتعين أن يكون الأمر الصادر بالمعارضة بالوفاء لاحقاً لإصدار الشيك.

         تقوم الجريمة بغض النظر عن الأسباب التي دفعت الساحب إلى إصدار هذا المر سواء كانت هذه الأسباب مشروعة أو غير مشروعة.

 

4- جريمة تظهير الشيك أو تسليمه للغير مع العلم بعدم قابليته للصرف

         إن الآثار المترتبة على تظهير شيك لا يقابله رصيد لا تقل من حيث النتيجة عن فعل إصدار شيك لا يقابله رصيد.

         يتحقق الركن المادي في هذه الجريمة عندما يقوم الجاني بنشاط مادي إيجابي يأخذ صورة تظهير الشيك من قبل المستفيد إلى شخص آخر، أو صورة تسليم الشيك المستحق الوفاء لحامله إلى شخص آخر ويكون الفاعل في الحالتين على علم بأنه ليس لهذا الشيك مقابل يفي بكامل قيمته أو يعلم أنه غير قابل للصرف.

         والتجريم يقتصر على المظهر ولا يمتد إلى من يتسلم هذا الشيك.

 

5- جريمة تحرير الشيك أو توقيعه بصورة تمنع صرفه

         ويتحقق الركن المادي في هذه الصورة بقيام الساحب بتحرير الشيك أو التوقيع عليه بصورة تجعل المسحوب عليه يرفض صرفه.

         وهذه الصورة تؤدي إلى ذات النتيجة التي تؤدي لها سائر الصور الأخرى؛ إذ أنها تؤثر في الثقة الواجب توافرها في الشيك كأداة وفاء.

         فالجريمة ترتكب عندما يقوم الجاني بنشاط مادي بتحرير الشيك على صورة تجعل صرفه أمراً غير ممكن، أن يجعل الشيك خالياً من إحدى البيانات الإلزامية، أو يغير من توقيعه على الرغم من وجود رصيد قائم وكاف وقابل للصرف.

الركن المعنوي

         الجريمة عمدية، وليست جريمة خطأ أو إهمال. ويلزم لقيام الركن المعنوي توافر القصد الجنائي.

         عبر المشرع عن القصد الجرمي بقوله (بسوء نية).

         ويكفي لقيام الجريمة توافر القصد الجنائي العام؛ ولا يشترط توافر قصد خاص.

         لا عبرة للباعث على ارتكاب الجريمة إذا ما توافر القصد الجنائي.

         تحديد توافر سوء النية من عدمه امر يخضع لتقدير قاضي الموضوع يستخلصه من كافة الظروف والقرائن في الدعوى.

الملاحقة الجنائية

جريمة الشيك بدون رصيد من جرائم الشكوى وفقاً لأحكام المادة 3 من قانون الإجراءات الجنائية رقم 23 لسنة 2004.

ويجوز إجراء الصلح في هذه الجريمة في أي وقت حتى بعد اكتساب الحكم الدرجة القطعية ويترتب على ذلك انقضاء الدعوى الجنائية.

نصت المادة 359 من قانون العقوبات «للمجني عليه ولوكيله الخاص في الجرائم المنصوص عليها في المادة (357) من هذا القانون، أن يطلب من النيابة العامة أو المحكمة، بحسب الأحوال، في أي حالة كانت عليها الدعوى، إثبات صلحه مع المتهم، ويترتب على الصلح انقضاء الدعوى الجنائية. وتأمر النيابة العامة بوقف تنفيذ العقوبة، إذا تم الصلح أثناء تنفيذها ولو بعد صيرورة الحكم باتاً».


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

مراحل ابرام المعاهدات في القانون الدولي.. د. سيد عبد الماجد

تاريخ اكتشاف النفط في قطر .. د. سيد عبدالماجد

الاجماع .. كأحد مصادر التشريع الاسلامي