لمحة عن عصر ملوك الطوائف في الاندلس .. د. سيد عبد الماجد

 

لمحة عن 

عصر ملوك الطوائف في الاندلس

تاريخيا: ينقسم عصر الطوائف الى ثلاث فترات ، الاولى فترة الانتظار الممتدة من 1009م الى الغاء الخلافة القرطبية 1031م ، اتسمت بالحروب بين الاندلسيين وجند العامريين من البرر ، وتعاقب الخلفاء الامويين الضعفاء على قرطبة ، فيما يترقب وينتظر عمال النواحي ما تسفر عنه الامور. ، والثانية ، تبدأ بسقوط طليطلة في يد الفونسو السادس ملك قشتالة وليون ( من 1031 الى 1085م) واتسمت باستعمال امراء الطوائف بالنصاري في حروبهم مع بعضهم البعض ، فتدهورت احوال الاندلس ، ومن امرائهم في هذه الفترة:

بنو عباد اصحاب اشبيلية ، ومؤسس دولتهم محمد بن عباد ، الملقب بالمعتضد، وكان واسع الحيلة ضعيف الاخلاق،، اشتهر بالشعر، وحاول ان يوحد الاندلسيين ولكنه فشل خاصة عندما استعان بالنصاري في حربه ضد ابن الافطس صاحب بطليوس.

اما بني ذي النون ، وهم من اصل بربري ، فكانوا امراء على طليطلة ، بعد ان كان اجدادهم في طاعة  عبد الرحمن الناصر، فكانوا يتولون امر شنتمرية وبعد زوال الخلافة تأمروا على طليطلة ايضا ولكن لم تكن تملك حتى خمسمائة فارس ، ما اغرى الفونسو السادس ملك قشتالة وليون بالاستيلاء على طليطلة فعرض على اميرها المأمون ذي النون ان يحميه مقابل دفع الجزية فوافق مع استمرار ضعفه قام الفونسو بضم طليطلة الى مملكته وارتكب في اهلها مجازر ووضع جماجم القتلي اصاصا للزهور في " حديقة الرؤوس".

فقد جاءت بداية عصر الطوائف تدريجيا، عندما ادرك اهل الاندلس انعدام السلطة المركزية ، وانفرد الولاة بولاياتهم لحين وضوح الامور في قرطبة عاصمة الخلافة الاموية في الاندلس ، ومع ضعف الخلفاء الامويين ، دب اليأس في اهل قرطبة فاجتمع كبارهم بزعامة ابي الحزم بن جهور في العام 422 هـ/1031م ،  واستقر رأيهم على الغا الخلافة القرطبية وعزل الخليفة هشام الثالث الملقب بالمعتد ، ومن ثم الغي رمز وحدة الاندلس ، وانفرد عمال النواحي بالامارة على مناطقهم.

وهكذا ظهر امراء النواحي الذين يطلق عليهم ملوك الطوائف رغم انهم لم يكونوا ملوكا ولا ملوك طوائف ولم يتخذوا اية القاب بل كانوا مجرد رؤساء للنواحي ظهروا بمظهر الامير او السلطان ، وجرت بينهم الحروب وطمع فيهم النصارى وفرضوا عليهم الاتاوات.

ان مصيبة عصر الطوائف كانت  في الانقسام وضعف الحماية و انعدامها على اراضي المسلمين ، والدليل على ذلك ان عصر خلفاء قرطبة كانت الوحدة عنصرا مميزا للاندلس ، حتى ان الخليفة عبد الرحمن الناص كان يحدد من يكون ملكا على الممالك النصرانية.

اما الصقالبة العامريين ، فكانت لهم امارة بلنسية، واستقر لديهم صاحب الفحص الملقب بالسيد القمبيطور وهو فارس نصراني عاش بين المسلمين ، وطمع في حكم بلنسية عندما استولى الفونسو السادس على طليلطة، وتحقق له ما اراد فسيطر على بلنسية وارتكب في حق اهلها مذبحة وحكمها الى حررها المرابطون عام 1002م.

اما التجيبيون واصلهم من القوط ، فكانت لهم امارة سرقسطة ، وبسقوط طليلطة بدأت الاضطرابات تصل الى سرقسطة ، حتى ان الصليبيون هاجموا احدى بلداتها " بربشتر" وانزلوا باهلها مذبحة بشعة باركها الباب اسكندر الثالث ، وهو ما استنكره مؤرخو اوروبا انفسهم ، واستمرت الكارثة في سرقسطة الى ان استولى بنو هود عليها وحكموها ، ثم بعد دخول المرابطون دخل اهل سرقسطة في طاعتهم .

في المقابل كانت الممالك النصرانية تنتعش مع تراجع وضعف ملوك الطوائف ، وكانت من ابرز الممالك المسيحية مملكة بنرة ومملكة بنبلونة او ارض البشكونس ، وكانت هذه الممالك تهدد اراضي المسلمين باستمرار.

اما بنو عباد ، فكانت لهم امارة اشبيلية، اميرها الاول اسماعيل بن عباد والملقب بالمعتضد، وكان سئ الاخلاق مهموما بالشعر ، وكذلك ابنه من بعده المعتمد بن عباد ، كان شاعرا سئ الاخلاق ، قتل وزيره الخائن بنفسه ،و لكن ما يميزه انه كان يرغب في توحيد اراضي الاندلس، واستطاع بنو عباد ضم قرطبة الى اشبيلية وقضوا على دولة بني جهور الذين كانواا سببا في الغاء الخلافة طمعا في الرياسة.

جملة الحال في عصر ملوك الطوائف ان ملوك النصاري اصبحت لهم القوة ويفرضون الجزية على المسلمين ويطلب ملوك الطوائف الحماية من الملوك النصاري ، وساد الظلم على الناس في كل مكان ، فكان عصرا اليما لا يتفق مع عزة الاندلس الاموية.

وقد حدث ان استعان بنو الافطس بالمرابطين في بلاد المغرب ، فاتجه يوسف بن تاشفين الى الاندلس في 1086م حيث بطليوس ثم اشبيلية فانضم اليه " المعتمد بن عباد" ، ثم ابن الافطس ،و تجمعت قوة المسلمين مرة اخرى تحت قيادة ابن تاشفين ، فانزع الفونسو السادس ورفع الحصار عن سرقسطة وطلب النجدة من الممالك المسيحية ، والتقى الجيشان في فحص الزلاقة 1086م قاد المسلمين الملك" المعتد بن عباد" وانتصر على الفونسو ، ثم اتجه ابن تاشفين الى حصن لاييط حيث عزل جميع امراء الطوائف ووحد بلاد الاندلس فيما عدا امارة سرقسطة التي تركها ليحكمها بني هود ، ظنا منه انهم يحسنون الدفاع عناا ، ولكن انتزعها منهم الفونسو الاول ملك ارغون الملقب بالمحارب عام 1118م.

امتدت سيطرة المرابطين على الاندلس منذ 1087 الى 1144م عندما توفى تاشفين بن علي ثالث امراء المرابطين عند وهران وحدوا فيها معظم بلاد الاندلس ، في وقت كانت الممالك النصرانية على قلب رجل واحد ، وتضاعفت ثرواتهم وقواتهم العسكرية على اثر استيلائهم على خيرات الممالك الاسلامية ، كما استعانوا بالبايوية ، ومع ذلك استطاع المرابطين خلال فترة قيادتهم للاندلس ايقاف القادة النصرانين ، وتغلبو ا عليهم في عديد من المواقع الحربية مثل استعادة الجزائر الشرقية من رجال الجمهوريات الايطالية ، ومعركة اقليش حيث سيطروا على شنتبرية قرب طليطلة وغيرها ، ولكن مع ذلك كانت هناك بعض الهزائم القاسية مثل وقيعة "كتندة" قرب سرقسطة واستشهد فيها عشرات الالاف من المسلمين وقائدهم ابو اسحق ابراهيم بن يوسف بن تاشفين.

ثم كانت ثورة الموحدين على المرابطيين بقيادة محمد ابن تومرت الذي استطاع ان يقوم بثورة في المغرب ضد المرابطيين المشغولين بالجهاد في الاندلس ، فاضطروا لسحب الجيوش من الاندلس ، ما ادى الى سيطرة الفونسو المحارب على سرقسطة وسقطت المرية ولاردة ، وتوالى سقوط العواصم الاندلسية في يد النصاري ، ثم كان ان مات تاشفين بن على بن يوسف بن تاشفين ثالث امراء المرابطيين في 1145م ، وثار القاضي "حمدين " على المرابطين في قرطبة ، وابن قسي في بطليوس ، وهكذا حوصر المرابطيين في الاندلس والمغرب ، فضاعت الاندلس وانهار حكم المسلمين ولم يبقى حتى نهاية عصر الموحدين سوى مملكة غرناطة.

بالقضاء على المرابطيين ومقتل قائدهم ابي اسحق بن تاشفين ، اتجه عبد المؤمن بن  علي اول خلفاء الموحدين لتوحيد المغرب الاقصي ثم اتجه الى الاندلس واتخذ اشبيلية عاصمة للاندلس واستطاع توحيدها مرة اخرى تحت قيادة رجال من بيته ملقبين بالسادة .

وقد استطاع ابي يعقوب يوسف ثاني الخلفاء الموحدين ، من ضم غرب الاندلس  الى دولتهم ، ثم جاء الخليفة المنصور وهو اكبر شخصية في تاريخ الموحدين وقام بحملة كبرى على الاندلس شتت فيها قوى الممالك النصراية وهادنوه ، ثم حاربهم وانتصر عليهم في حصن الارك 1195م ، وهى المعركة التي تعتبر اختا لمعركة الزلاقة لأنها ثبتت جبهة الاسلام في الاندلس لقرن من الزمان على الاقل، وكانت هزيمة الموحديث في 1212م احدى الهزائم القاسية التي تساقط على اثرها العديد من المناطق في ايدى النصارى ، ولم يبقى في نهاية العصر الموحدى الا مملكة غرناطة.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

مراحل ابرام المعاهدات في القانون الدولي.. د. سيد عبد الماجد

تاريخ اكتشاف النفط في قطر .. د. سيد عبدالماجد

الاجماع .. كأحد مصادر التشريع الاسلامي