رأي : الاثر السلبي للتنوع الثقافي على الاستقرار السياسي.. د. سيد عبد الماجد

 

الاثر السلبي للتنوع الثقافي على الاستقرار السياسي

 لما كانت الثقافة تؤثر الى حد كبير على حياة المجتمعات ، فإن مرجع ذلك هو تاثيرها على طريقة ادارة وتسير الافراد والمجموعات داخل المجتمع ، وكلما كانت حياة الافراد والمجموعات ناجحة دل ذلك على مدى احترام الثقافة وتقاليدها. في الوقت نفسه فإن تجاهل القيم الثقافية لمجموعة ما داخل المجتمع يترتب عليه خطر على الترابط الاجتماعي ، فالتحدي الكبير الذي يواجه المجتمعات هو القدرة على ادماج نقاط قوة كل ثقافة مع بعضها البعض في ظل من الاحترام المتبادل ، اذ بذلك تتناسق الاستراتيجيات في المجتمع ويتعايش فئاته في اطار من السلم والامن والاحترام المتبادل[1].

2- مفهوم ومظاهر التنوع الثقافي :

اكدت منظمة الامم المتحدة في الاعلان العالمي لمنظمة اليونسكو بشأن التنوع الثقافي(باريس 2001) على ان التنوع الثقافي هو التراث المشترك للإنسانية، وينبغي الاعتراف به والتأكيد عليه لصالح الأجيال الحالية والأجيال القادمة."[2]

 ويمكن ان نفهم من ذلك ان التنوع الثقافي هو كل ما يتوارثه الاجيال عن بعضهم البعض وعن اجدادهم من مكونات ثقافية مثل اللغة والمعتقدات، القيم والاخلاقيات، السلوكيات والعادات والتقاليد، باختلافها وتنوعها في كل مجتمع وكل دولة، نستنتج من ذلك ان التنوع الثقافي يشير الى التعدد والاختلاف الثقافي لمجموعات من الاشخاص تنتمى الى مناطق جغرافية متعددة او داخل دولة واحدة ، وقد يتوافر التنوع الثقافي عندما ينتمي الى المجتمع مجموعات عرقية مختلفة عن بعضها في اللغة والمعتقدات[3].

اما مظاهر التنوع الثقافي فهى واضحة في عالم اليوم وابرزها وجود العديد من الثقافات السائدة في المجتمع الدولي مثل الثقافة الاسلامية والثقافة الغربية المادية والثقافة الشرقية الروحية ، وداخل كل دولة يمكن نلحظ التنوع الثقافي ايضا ، فنجد ثقافة البدو تختلف عن ثقافة الحضر وعنهما تختلف ثقافة الريف داخل دولة واحدة[4] ، ومع ذلك تمثل العولمة احد الاخطار التي تواجه التنوع الثقافي في العصر الحالي،  وجدير بالذكر ان من مظاهر الاهتمام العالمي بالتنوع الثقافي ان الامم المتحدة خصصت يوم(21 مايو) من كل عام للاحتفال بيوم " التنوع الثقافي".[5]

3- طرق ادارة التنوع الثقافي :

 ان ادارة التنوع الثقافي الرشيدة من شأنها تحسين الانسجام والتناعم داخل المجتمع[6] ، وقد ذهب بعض المفكرين الى ان ادارة التنوع الثقافي تتجسد في فهم الاخر واخذه بعين الاعتبار واقصاء النمطية و الاحكام المسبقة الثقافية والشخصية والدينية والعرية وغيرها مقابل نظام ثقافي يتقبل الجميع من اجل الجميع. ذلك ان ادارة الثقافات مرتبطة بدراسة تفاعلات الافراد ذي الانساق المختلفة.[7]

هناك الكثير من الدراسات التي وضعت طرقا لادارة التنوع الثقافي ، منها دراسة هوفستيد ، الذي وضع اربعة ابعاد يمكن من خلال المقارنة بين ثقافتين ،وهى[8]:

1- مسافة السلطة : اي مدى ادراك المرؤوس للسلطة التي تمارس عليه وموقفه من ذلك.4

2- التحكم في عدم التأكد: اي درجة تسامح ثقافة ما ازاء الاخطار التي قد تواجهها في المستقبل.

3- الفردية مقابل الجماعة : مدى اعتماد ثقافة ما على الفرد ام على الجماعة.

4- البعد الذكوري مقابل الانثوي : اي مدى وصف الثقافة للنجاحات التي يحققها الذكور والاناث

4- اثر التنوع على الاستقرار السياسي

اذا اخذنا بمفاهيم الاستقرار السياسي المتعددة ، ومن بينها ، ان الاستقرار السياسي يقصد به "قدرة مؤسسات النظام على تسيير الازمات التي تواجهه بنجاح، ومن ثم حل الصراعات بينها داخل الدولة بطريقة يمكن معها الحفاظ على امكانية انهاء الازمات والحد من مظاهر العنف السياسي ودعم شرعية النظام."[9] بهذا المفهوم يكون الاستقرار السياسي هو هدف ترنو اليه الانظمة السياسية في كل مكان وزمان ، اذ يوفر حالة من الايجابية والطمأنينة لدى المواطنين تشير الى شرعية النظام السياسي بمؤسساته وآلياته واجراءاته. فهل يؤثر التنوع الثقافي على درجة الاستقرار السياسي ، كيف ، ولماذا؟ اذا كانت المجموعات المتنوعة ثقافيا داخل المجتمع  تساهم في اثراء ثقافة الدولة بشكل عام، وبامكانها ان توفر خلفيات فكرية متنوعة تؤثر ايجابا في بناء النظام السياسي على نحو فريد[10].

الا انني ارى ان التنوع الثقافي يؤثر سلبا على الاستقرار السياسي ، اذ يؤدي الى التنوع الثقافي الى صعوبة فرض قوانين موحدة داخل الدولة الواحدة لكل الثقافات المختلفة بحكم اختلاف القيم والعادات ، كما ان التنوع الثقافي يؤثر في وحدة النسيج الاجتماعي في المجتمع لان لكل ثقافة عاداتها وتقاليدها ونمط حياتها ، كما ان التنوع الثقافي من الناحية العملية ينشأ عنه احيانا انغلاق ثقافي على النفس من قبل الجماعات ذات الثقافة الواحدة ، وربما ادى التنوع الثقافي في لحظة ما الى صراع عنيف بين الثقافات والذي قد يصل الى الحرب الاهلية. وهكذا ، ومن مجمل ما تقدم، فإن التنوع الثقافي في جانبه الايجابي يتضائل امام الطعنات التي يوجها التنوع الثقافي في الاستقرار السياسي.

6- خاتمة

نخلص مما سبق ان التنوع الثقافي له مزايا وايجابيات وكذلك  له مخاطر وسلبيات ، و هو بحسب تعريف منظمة اليونسكو كل ما تتوارثه الاجيال من ثقافات ، فإذا ما جرى العمل على ادارتها بطريقة رشيدة فإنه يمكن توظيفها على نحو مفيد في المجتمع ، وقد وضع عدد من المفكرين منه هوفتسيد طرقا لمعرفة كيفية ادارة التنوع الثقافي في المجتمع مثل مدى المساواة في المجتمع بين الحاكم والمحكوم ، ومدى وضوح المستقبل بالنسبة لافراد ثقافة ما ، والنظرة الى الذكور والاناث ومدى ارتباط الثقافة بالفردية ام الجماعية، واذا ما تم ادارة الثقافة على نحو ناجح فان مردود ذلك على الاستقرار السياسي سوف يكون ايجابيا وان كنت ارى ان التنوع الثقافي يحمل بداخله عوامل الاضطرابات السياسية نظرا لصعوبة عملية ادارة التنوع الثقافي على نحو جيد لفترة زمنية طويلة.

مما سبق نستنتج الاتي:

-   ان التنوع الثقافي هو كل ما يتوارثه الاجيال عن بعضهم البعض وعن اجدادهم من مكونات ثقافية مثل اللغة والمعتقدات، القيم والاخلاقيات، السلوكيات والعادات والتقاليد، باختلافها وتنوعها.

-   تتعدد مظاهر التنوع الثقافي في المجتمع الواحد وعلى نطاق عالمي ، ما جعل الامم المتحدة تخصص يوما للاحتفال بالتنوع الثقافي.

-         عملية ادارة التنوع الثقافي شديدة التعقيد لارتباطها بافكار وخلفيات متباينة.

-         هناك صعوبة في تحقيق الاستقرار السياسي طويل الامد في ظل التنوعات الثقافية في المجتمع.

 

المراجع:

1.  باريخ بيخو ، اعادة النظر في التعددية الثقافية ، التنوع الثقافي والنظرية السياسية ، الهيئة العامة للكتاب ، سوريا ، 2007م.

2.     باتريك سافيدان ، ترجمة / المصطفى الحسوني ، الدولة والتعدد الثقافين دار تويفال للنشر، الطبعة الاولى، 2011م.

3.  د. نجلاء نعمان ، ادارة التنوع الثقافي بين النظرية والتطبيق ، مجلة الدراسات والبحوث الانسانية ، المجلد 2 ، العدد 9 ، ديسمبر 2018م.

4.  د. عبد القادر بدر الدين اكرام ، ظاهرة الاستقرار السياسي في مصر ، رسالة دكتوراه ، كلية الاقتصاد والعلوم السياسية ، جامعة القاهرة ، مصر ، 1981م.

5.    عبد المجيد بكاي، التنوع الثقافي وعلاقته بالقيم التنظيمية داخل المنظمات متعددة الجنسيات في الجزائر، رسالة دكتوراه ، كلية الاداب والعلوم الانسانية والاجتماعية ، جامعة باجي مختار ، الجزائر، 2015/2016م.

6.    منيغر سناء، التنوع الثقافي من منظور الامن المجتمعي، رسالة ماجستير ، كلية الحقوق والعلوم السياسية ، جامعة سطيف2 ، 2013/ 2014م.

7.    نيفين مسعد ، النزاعات الدينية والمذهبية والعرقية " الاثنية " في الوطن العربي، مجلة المستقبل ، العدد 26 ، نوفمبر 2008م.

مواقع اللكترونية :

موقع منظمة اليونسكو على شبكة الانترنت:  https://www.un.org/ar/events/iyl/resources/127160m.pdf



[1] باريخ بيخو ، اعادة النظر في التعددية الثقافية ، التنوع الثقافي والنظرية السياسية ، الهيئة العامة للكتاب ، سوريا ، 2007، ص 11.

[2]  المادة الاولى من الاعلان ، وتنص على ان " تتخذ الثقافة أشكالا متنوعة عبر المكان والزمان. ويتجلى هذا التنوع في أصالة وتعدد الهويات المميزة للمجموعات والمجتمعات التي تتألف منها الإنسانية. والتنوع الثقافي، بوصفه مصدراً للتبادل والتجديد والإبداع، هو ضروري للجنس البشري ضرورة التنوع البيولوجي بالنسبة للكائنات الحية. وبهذا المعنى يكون التنوع الثقافي هو التراث المشترك للإنسانية، وينبغي الاعتراف به والتأكيد عليه لصالح الأجيال الحالية والأجيال القادمة."

[3] باتريك سافيدان ، ترجمة / المصطفى الحسوني ، الدولة والتعدد الثقافين دار تويفال للنشر، الطبعة الاولى، 2011م، ص 70.

[4] نيفين مسعد ، النزاعات الدينية والمذهبية والعرقية " الاثنية " في الوطن العربي، مجلة المستقبل ، العدد 26 ، نوفمبر 2008، ص25.

[5] كانت منظمة اليونسكو  - في عام 2001م - قد اعتمدت الاعلان العالمي للتنوع الثقافي بهدف تعزيز دور الثقافة بوصفها وسيلة لتحقيق الازدهار والتنمية المستدامة والتعايش السلمي على الصعيد العالمي ، وقد تم الاعلان عن يوم 21 مايو من كل يوما للتنوع الثقافي من خلال الجمعية العامة للامم المتحدة في العام 2002م.

https://www.un.org/ar/events/iyl/resources/127160m.pdf

[6] منيغر سناء، التنوع الثقافي من منظور الامن المجتمعي، رسالة ماجستير ، كلية الحقوق والعلوم السياسية ، جامعة سطيف2 ، 2013/ 2014، ص 10

[7] د. نجلاء نعمان ، ادارة التنوع الثقافي بين النظرية والتطبيق ، مجلة الدراسات والبحوث الانسانية ، المجلد 2 ، العدد 9 ، ديسمبر 2018، ص 47

[8] المرجع السابق ، ص 48

[9] د. عبد القادر بدر الدين اكرام ، ظاهرة الاستقرار السياسي في مصر ، رسالة دكتوراه ، كلية الاقتصاد والعلوم السياسية ، جامعة القاهرة ، مصر ، 1981، ص 36.

[10] عبد المجيد بكاي، التنوع الثقافي وعلاقته بالقيم التنظيمية داخل المنظمات متعددة الجنسيات في الجزائر، رسالة دكتوراه ، كلية الاداب والعلوم الانسانية والاجتماعية ، جامعة باجي مختار ، الجزائر، 2015/2016، ص 67.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

مراحل ابرام المعاهدات في القانون الدولي.. د. سيد عبد الماجد

تاريخ اكتشاف النفط في قطر .. د. سيد عبدالماجد

الاجماع .. كأحد مصادر التشريع الاسلامي