الحياة الاسرية في قطرقبل النفط


الحياة الاسرية في قطرقبل النفط

مقدمة

لقد مر المجتمع القطري بمراحل اجتماعية عديدة قبل اكتشاف النفط ، كانت القبيلة هى الحاضن الاكبر للأسرة وانعكست عادات وتقاليد ومبادئ القبيلة على تكوين الاسرة القطرية.  فقد كان نشاط القبيلة القطرية موزعا بين رعي الابل والاغنام من ناحية وصيد وتجارة اللؤلؤ من ناحية اخرى ، وهكذا كان الاسرة القطرية اما تحترف الرعي وعاشت هذه الاسر في مستوى معيشي متدني او الصيد والتجارة حيث عاشت هذه الاسر حياة افضل نسبيا ، ونحاول في هذا البحث القاء الضوء على الحياة الاسرية في قطر قبل اكتشاف النفط.

ان التعرف على تاريخ الاسرة القطرية في هذه المرحلة من عمر المجتمع القطري يعطي صورة واضحة لما كانت عليه الامور في تلك الحقبة التاريخية، كما ان معرفة الماضي من شأنه ان يفيدنا في الحاضر والمستقبل ، فمن خلال الماضي نأخذ الدروس المستفادة التي تساعدنا على مواجهة المخاطر المحيطة بنا في ظل ظواهر كثيرة دخيلة جاءت الينا مع العولمة تؤثر على تقاليد وعادات المجتمع القطري المحافظ.

ان البحث في الحياة الاسرية قبل اكتشاف النفط ينتج تساؤلات عديدة ، من اهمها:

-         ما هى الظروف الاجتماعية التي كانت تحيط بالأسرة القطرية قبل اكتشاف النفط.

-         ما هى مكونات المجتمع القطري ، وما هى المهن التي كانت تغلب على الحياة الاقتصادية؟

-         كيف  انعكست الحياة الاقتصادية على مستوى معيشة الاسرة القطرية؟

وفي هذه الاطلالة سوف نجيب عن ههذه التساؤلات من خلال الاتي:

المبحث الاول: الحياة الاجتماعية والاقتصادية للأسر القطرية ذات الدخل المنخفض.

المبحث الثاني: الحياة الاجتماعية والاقتصادية للأسر القطرية ذات الدخل المرتفع

 

المبحث الاول

الحياة الاجتماعية والاقتصادية للأسر القطرية ذات الدخل المنخفض

عاشت الاسرة القطرية داخل المحيط العام للقبيلة ، فتأثرت بها في العادات والتقاليد ونمط الحياة ، حيث انعكس النشاط الذي تمارسه جماعة القبيلة على طبيعة الحياة داخل الاسرة القطرية ، ولفترة طويلة من الزمن اتخذت الاسرة القطرية حرفة الرعي نشاطها الاقتصادي الوحيد ، وهو ما ادى الى استقرار كبير في العادات والتقاليد بين اسر القبيلة وعلاقاتها ببعضها البعض([1]).

في هذا المبحث اتناول تكوين الاسرة القطرية ذات الدخل المنخفض وملامح حياتها في اطار مؤسسة او مجتمع القبيلة، وذلك من خلال الآتي:

المطلب الاول: تكوين الاسر القطرية ذات الدخل المنخفض.

المطلب الثاني: ملامح الحياة الاجتماعية والاقتصادية للأسرة القطرية ذات الدخل المنخفض.

المطلب الاول

تكوين الاسر القطرية ذات الدخل المنخفض

تمثل الاسرة نواة مجتمع القبيلة ، لذلك نلقى الضوء على تكوين الاسرة بالإضافة الى المجتمع المحيط بها ، ويمكن رصد المجتمع الاسري بشكل عام في قطر من خلال المكونات الآتية:

اولا – الوحدة الصغيرة : تمثل الاسرة نواة القبيلة وتتكون من الاب والام والابناء وزوجات الابناء بالإضافة الى البنات التي لم تتزوج والاحفاد ، تعيش الاسرة ذات الدخل المنخفض من نتاج الابل والاغنام ، فتحصل منها على الاصواف واللبن واللحوم ، والاسرة تعيش في الخيم حيث يسمح لها هذا النمط بالتنقل والترحال من فترة لأخرى بحسب مواطن العشب اللازم للماشية([2]).

ثانيا – الفخذ : وهى مجموعة من الاسر ذات النسب الواحد ، فيتكون الفخذ من عدة بيوت تنتمي الى جد واحد، حيث يربطها النسب الواحد ويجمع بينها مجموعة من العلاقات المتميزة عن غيرها من الفخوذ ، والفخذ هو خط الدفاع الاول عن الاسرة ، ومن خلاله تنتقل الاسرة من مكان الى اخر لمزاولة نشاطها في الرعي([3]).

ثالثا – الشيخ : وهو رئيس القبيلة بما فيها من اسر وافخاذ ، ويمثل دور الحاكم والمشرع والقاضي بالنسبة لكل علاقات اسر القبيلة وما قد ينشأ بين افرادها من نزاعات ، كما انه يمثل القبيلة امام القبائل الاخرى ويدافع عنها ويحدد انتقالاتها من مكان لآخر. 

ومن امثلة القبائل القطرية التي عملت في الرعي بني هاجر ، المرة ، المناصير ، النعيم ، الكعبان وكان التزواج يحدث بين افرادها دون غيرها من القبائل، وقد عاشت هذه القبائل حياتها متنقلة في صحراء قطر ، فتأثرت بطبيعتها التي انعكست على سلوكياتها القاسية والمتشددة وطبعت علاقاتها الاجتماعية بطابع خاص يميزها عن غيرها من القبائل التي سكنت بجوار ساحل الخليج. ومن امثلة القبائل التي عملت في الصيد قبائل البوكوارة ، المهاندة ، الخليفات ، السلطة ، السادة ، السودان، الحميدات، الكبسة.

 

المطلب الثاني

ملامح الحياة الاجتماعية والاقتصادية للأسرة القطرية ذات الدخل المنخفض

ان حياة الاسر القطرية ذات الدخل المنخفض كانت تتسم بالمشاركة والتكافل والتعاون فيما بينها ، ربما ادى الى ذلك رغبتهم المشتركة في الحماية والاعتماد على بعضهم البعض ، لذلك كان التعاون هو حائط الدفاع امام اي محاولات خارجية للسيطرة عليهم من قبائل اخرى([4]) .

ونلاحظ ان الاسر ذات الدخل المنخفض كانت تضم اسرا بدوية تعيش في مستوى معيشي متدني واسر تمتهن الصيد في البحر وكانت ايسر حالا من الاسر البدوية.

وحياة الاسر البدوية اعتمدت على الاعمال اليدوية والحرفية مما انعكس على نمط حياتهم الذي تمييز بالبساطة وتراجع الرغبة في التطور ولعب النسب دورا مهما في مجتمع الاسرة ، حيث كانت الاسرة التي تنتسب لأصول معروفة تشعر بانها اعلى مرتبة من شرائح اجتماعية اخرى ولو كانت تمارس نفس العمل، وهو ما كان يولد انواعا من التنافر احيانا بين اسر القبيلة الواحدة. وقد عانت الاسر المتوسطة والصغيرة والتي كانت تشكل غالبية افراد المجتمع ولا تملك سوى قدرات محدودة مما ادى الى حصولها على ادنى مستويات المعيشة وعاشت ظروفا معيشية صعبة ، كما عانت اسرها اثناء الازمات الاقتصادية .

اما حياة الاسر التي كانت تعمل في الغوص خلال فصلي الربيع والصيف ويهاجرون الى القرى والمدن الساحلية في الخريف والشتاء حيث يمارسون حرفة الرعي ، فقد كانت هذه الاسر افضل حالا من الاسر البدوية التي عملت في الرعي ، اي انها حياة غير مستقرة في مكان واحدة ، وعادة ما يقوم رئيس القبيلة باختيار موقع يتم بناء منازل الاسر فيه ،

اما حياة شيخ القبيلة فقد تميزت حياته بمستوى معيشي افضل من باقي اسر القبيلة ، نتيجة ممارستهم تجارة اللؤلؤ وقطعان الحيوانات في مقابل قيام باقي الاسر بممارسة حرفة الغوص وصيد الاسماك والرعي.


 

المبحث الثاني

الحياة الاجتماعية والاقتصادية للأسر القطرية ذات الدخل المرتفع

الفئة الثانية في المجتمع القطري قبل اكتشاف النفط كان يتكون من اسر تتمتع بمستوى معيشي مرتفع نظرا لارتفاع دخلها الناتج عن العمل في التجارة وخاصة تجارة اللؤلؤ وهو ما انعكس على حياة الاسرة وعلاقاتها واستقرارها. واتناول هذه الفئة من خلال الآتي:

المطلب الاول: تكوين الاسر القطرية ذات الدخل المرتفع.

المطلب الثاني: ملامح الحياة الاجتماعية والاقتصادية للأسرة القطرية ذات الدخل المرتفع.

المطلب الاول

تكوين الاسر القطرية ذات الدخل المرتفع

تتكون الاسر ذات الدخل المرتفع في قطر قبل اكتشاف النفط من اسرة آل ثاني ، واسر كبار التجار مثل اسرة الدرويش والمانع ، بالإضافة الى اسر رؤساء القبائل القطرية ، فكل من افراد هذه الاسر عاشوا حياة افضل حالا من الاسر البدوية التي عملت في الرعي والاسر العاملة في الصيد اسر صغار التجار واصحاب الحوانيت واسر كبار الحرفيين من النوخذة حيث كانت الاسر من ذوي اليسار المحدود وعاشوا في ظل حياة اقتصادية صعبة ([5]).

نظرا لاشتغال الاسرة الحاكمة وكبار التجار بالعمل التجاري وخاصة تجارة اللؤلؤ فقد كانت اسرتهم تتميز بمستوى معيشي اعلى ، فقد تميزت حياة افراد الاسرة الحاكمة  واسر كبار التجار واسر رؤساء القبائل بحياة متميزة للغاية مقارنة بالأسر المتوسطة والصغيرة ، ، ذلك لان هذه الاسر استطاعت ان تجمع اموالا كثيرة من العمل بتجارة اللؤلؤ ، مما اهلها لامتلاك مساحات شاسعة من الاراضي وتحكمت في تحديد الاسعار وخاصة بعد اكتشاف النفط.

المطلب الثاني

ملامح الحياة الاجتماعية والاقتصادية للأسرة القطرية ذات الدخل المرتفع

عاشت هذه الفئة مستوى معيشي افضل كثير من حال الاسر البدوية ، كما تميزت علاقاتها بالمصلحة والتفاعل من اجل المال والسلطة ، فقد كان اسر هذه الفئة تمثل قمة الهرم الاجتماعي في قطر في عصر ما قبل النفط ، فقد كانت النخبة التقليدية في قطر تضم الاسرة الحاكمة وعلى رأسها الشيخ والتي استطاعت ان تسيطر على الحياة الاقتصادية من خلال احترافها للتجارة قبل الوصول الى الحكم مما ساعدها على تكوين ثروة كبيرة من خلال تجارة اللؤلؤ والعلاقات التجارية مع تجار بعض الدول كالتجار الهنود والإيرانيين ، وهو ما ساعد اسرة آل ثاني الى التحول الى قوة سياسية حاكمة

كانت اسر النخبة تتمتع بمستوى معيشي اعلى ساعدها على ذلك تحكمها في تجارة اللؤلؤ وما تراكم لديها من ثروة مكنتها من العيش في رغد نسبيا مقارنة بالأسر الصغيرة والمتوسطة

وقد ارتبط كبار التجار بعلاقات مباشرة بالشيخ وقد كانت هذه العلاقات محكومة بالعلاقات المتبادلة وخاصة ما يتعلق بالجمارك والضرائب، وقد تمتع التجار في هذه المرحلة بالامتيازات التي منحها لهم الشيخ مما جعلهم يعيشون حياة مرفهة مقارنة بغيرهم من الاسر القطرية.

ومن حيث الحجم فإن تكوين المجتمع القطري قبل اكتشاف النفط كان من الاسر البدوية والعاملة في الصيد ، فيما مثلت طبقة الاسرة الحاكمة وكبار التجار ورؤساء القبائل نسبة قليلة للغاية مقارنة مع الاسر البدوية ([6]).

الخاتمة

تناولت في ايجاز الحياة الاسرية في قطر قبل اكتشاف النفط واقع المكون الاسري القطري ، فقد انقسم المجتمع القبلي القطري بين اسر ذات دخل منخفض ادى الى تكوين علاقات اجتماعية ذات طابع خاص ومميز حيث المشاركة والتعاون والتكافل والتلاحم في ظل النوخذة الاكبر للقبيلة تحت قيادة رئيس القبيلة .

واسر ذات دخل مرتفع تمثل الطائفة الثانية في المجتمع القطري وتكونت من اسرة ال ثاني و اسر كبار التجار واسر رؤساء القبائل ، وتميزت حياتهم بمستوى معيشي مرتفع مقارنة بالطائفة الاولى ، وتميزت علاقاتها بطابع خاص حيث ساد بينهم التنافس من اجل المال والسلطة.

وقد جمع الوطن الواحد بين شمل كل الاسر القطرية سواء القبائل البدوية او الحضرية او الاسرة الحاكمة واسر كبار التجار ، حيث سادت علاقات اجتماعية وعادات متشابهة مثلت قوة استطاعت من خلالها مواجهة اطماع القبائل من مناطق اخرى.

النتائج

ومن هذه الاطلالة على حياة الاسرة القطرية قبل ظهور النفط يمكن استنتاج الاتي: 

 اولا – تكون المجتمع القطري قبل اكتشاف النفط من اسر تعمل في الرعي والزراعة والصيد وتجارة اللؤلؤ.

ثانيا – هناك عادات اجتماعية وتقاليد متوارثة عاشت في ظلها الاسرة القطرية .

ثالثا – تميزت العلاقات الاجتماعية بين الاسر والبدوية والاسر التي عملت في الصيد بطابع خاص حيث التكافل والتلاحم والتعاون والاعتماد المتبادل والمشاركة.

رابعا – تميزت علاقات اسر كبار التجار والاسرة الحاكمة بنوع من التنافس على المال وخاصة في تجارة اللؤلؤ ، و ان كان سلطة الاسرة الحاكمة تتغلب على اسر كبار التجار وتفرض علاقات اجتماعية تتميز بالتبعية .

المراجع

1.    حليم بركات ، المجتمع العربي المعاصر، الطبعة الرابعة ، بيروت ، مركز درااسات الوحدة العربية ، 1991

2.    عبدالعزيز المنصور ،التطور السياسي لقطر في الفترة من 1868 – 1916، الطبعة الاولى ، الكويت، منشورات ذات السلاسل، 1979م

3.    محمود عبد الفضيل ، التشكيلات والتكوينات الطبقية في الوطن العربي ، مركز دراسات الوحدة العربية ، بيروت ، الطبعة الاولى ، 1988

4.    محمد جابر الانصاري ، تاريخ الحركة الديمقراطية الاولى في الخليج العربي ، المؤرخ العربي ، العدد 15 لسنة 1980محمد الرميحي ، الجذور الاجتماعية للديمقراطية في مجتمعات الخليج العربي المعاصر، الطبعة الاولى ، الكويت ، 1977، ص 10  مسعود ضاهر ، المشرق العربي المعاصر ، من البداوة الى الدولة الحديثة ، بيروت ، معهد الانماء العربي، 1986

 الدكتور/ السيد عبد الماجد

الاسكندرية 

في 28 مايو 2022


Hعبدالعزيز المنصور ،التطور السياسي لقطر في الفترة من 1868 – 1916، الطبعة الاولى ، الكويت، منشورات ذات السلاسل، 1979م ، ص 25

([2]) محمود عبد الفضيل ، التشكيلات والتكوينات الطبقية في الوطن العربي ، مركز دراسات الوحدة العربية ، بيروت ، الطبعة الاولى ، 1988، ص 6

([3]) حليم بركات ، المجتمع العربي المعاصر، الطبعة الرابعة ، بيروت ، مركز دراسات الوحدة العربية ، 1991، ص 69

([4]) مسعود ضاهر ، المشرق العربي المعاصر ، من البداوة الى الدولة الحديثة ، بيروت ، معهد الانماء العربي، 1986، ص 45

([5]) محمد جابر الانصاري ، تاريخ الحركة الديمقراطية الاولى في الخليج العربي ، المؤرخ العربي ، العدد 15 لسنة 1980، ص70

([6]) محمد الرميحي ، الجذور الاجتماعية للديمقراطية في مجتمعات الخليج العربي المعاصر، الطبعة الاولى ، الكويت ، 1977، ص 10

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

مراحل ابرام المعاهدات في القانون الدولي.. د. سيد عبد الماجد

تاريخ اكتشاف النفط في قطر .. د. سيد عبدالماجد

الاجماع .. كأحد مصادر التشريع الاسلامي