اثبات النسب بالتحليل الجيني في القانون القطري والشريعة الاسلامية

  

اثبات النسب بالتحليل الجيني

في القانون القطري والشريعة الاسلامية

مقدمة

تعتبر الاسرة نواة المجتمع وترابطها على اساس الدم الواحد هو احد الدعائم التي تخلق مجتمعا قويا ، لذلك فقد حرصت الشريعة الاسلامية على التأكيد على اهمية الحفاظ على الانساب فنظم الفقه الاسلامي الوسائل التي يمكن من خلالها معرفة الانساب بشكل مؤكد.

ومع تطور العصر فقد ظهر العديد من الحالات التي يستحيل معها اثبات النسب من خلال الوسائل التقليدية ( الفراش ، الاقرار ، الشهادة ) ، ومع ما نشهده من تقدم علمي هائل في كافة المجالات ، فقد توصل العلم الى اكتشاف ومعرفة البصمة الوراثية للشخص والتي تميزه عن غيره وامكن استخدامها في تحديد الصفات الفريدة لكل شخص والتي تنتقل الى ورثته، وتم استخدام تقارير البصمة الوراثية في اثبات هوية الاشخاص وبشكل كبير في المجال الجنائي بالاضافة الى اثبات النسب.

لذلك اتجهت بعض الدول الى تقنين تقارير التحليل الجيني للاستفادة بمنجزات العصر في كشف غموض الجرائم وتحديد الانساب، فيما عارضت دول اخرى استخدام التحليل الجيني لاعتبارات تتعلق بالمساس بالحقوق الشخصية للافراد وامكانية اساءة استخدام هذه الوسيلة.

وفي ظل المستحدثات العصرية المتلاحقة التي تكشف غموض المشكلات المعقدة فقد اصبح الاعتماد على العلم ومنجزاته ضرورة للجميع ، فالتحليل الجيني للحمض النووي يعطي نتائج اكثر دقة من اية وسيلة اثبات اخرى لاثبات النسب. وباعتبارها احد الوسائل الحديثة فمن الطبيعي ان يكون هناك من الرافضين لهذه الوسيلة تحت حجج معينة، لذلك سوف نحاول في هذا البحث تحديد ايجابيات وسلبيات استخدام هذه الوسيلة وصولا الى تقييمها. كما نشير الى موقف القانون القطري والقوانين المقارنة وتقنين هذه الوسيلة.

لذلك يبدو من الاهمية العلمية والعملية التعرف على دور التحليل الجيني في اثبات النسب من الناحية القانونية، فما هو التحليل الجيني لاثبات النسب، وخصائصه؟ وما مدى اتفاقه مع الشريعة الاسلامية ، واخيرا نتعرف على موقف المشرع القطري والتشريعات المقارنة من هذه الوسيلة في اثبات النسب؟

للاجابة عن هذه التساؤلات فقد تم تقسيم الموضوع الى مبحثين، على النحو التالي:

المبحث الاول: تحديد مفهوم التحليل الجيني كوسيلة للاثبات

المبحث الثاني: التحليل الجيني كوسيلة في اثبات النسب في التشريعات المقارنة

  

المبحث الاول

مفهوم التحليل الجيني كوسيلة في الاثبات

لقد اخذت العديد من الدول بتقارير التحليل الجيني باعتباره احد اهم وسائل اثبات النسب ، فقامت تقنين هذه الوسيلة في قوانينها ، الا ان هناك من الدول رقضت اقرار هذه الوسيلة ، فما هو التحليل الجيني ؟ وما هو موقف الفقه القانوني والشرعي من تقارير التحليل الجيني كوسيلة لاثبات النسب؟ ولمحاولة الاجابة عن هذه التساؤلات سوف نتناول في هذا المبحث الاتي:

المطلب الاول

تعريف التحليل الجيني

كوسيلة لاثبات النسب وخصائصه

في العام 1944 م اكتشف العالم ( آفري) البصمة الوراثية او بصمة ( DNA) ، وانتهى في نتائج ابحاثه الى أنه هو المسؤول عن نقل الصفات الوراثية من الأصول إلى الفروع[1]. لذلك فإن مسألة البصمة الوراثية تعتبر من القضايا المستجدة الى حد ما واختلفت الاراء حولها فمن  الدول من قننتها ومن الدول من اعترضت عليها.

اولا- تعريف التحليل الجيني

التعريف العلمي لمصطلح التحليل الجيني: هو تحليل المادة الوراثية الموجودة في خلايا الانسان والتي تجعل كل انسان مختلف عن الاخرين ، ويطلق عليها علميا الحمض النووي.

وقد اوضحت المنظمة الاسلامية للعلوم الطبيعة مفهوم تحليل البصمة الوراثية بأنها[2]:

1- البنية الجينية التفصيلية التي تدل على هوية كل شخص بعينه وهى وسيلة لا تكاد تخطئ في الحقق من الشخصية واثباتها ولاسيما في مجال الطب الشرعي وهى ترتقي الى مستوى القرائن القوية التي يأخذ بها اكثر الفقهاء.

2- الصفات الوراثية التي تنتقل من الاصول الى الفروع والتي من شأنها تحديد شخصية كل فرد عن طريق تحليل جزء من حمض ( DNA ) الي تحتويه جميع خلايا جسده.

التعريف الفقهي للتحليل الجيني: تولى بعض الفقه مهمة وضع تعريف للتحليل الجيني ، فقال بأنه التحليل الوراثي الذي يجرى على الانسان لتحديد الهوية الوراثية الاصلية الثابتة لكل انسان. وانه التحليل الذي يكشف عن الطبيعة الجينية والفردية التي تخص الشخص، وتعتبر مصدر وأصل الكيان الانساني عند الاختلاف ، فهى تحدد صفاته وشخصيته.[3]

اي ان التحليل الجيني يكشف عن البصمة الوراثية التي تعني البطاقة التعريفية للشخص ، فكل شخص يتميز عن غيره ببصمة خاصة به في الحمض النووي الموجود بخلايا جسمه.

التعريف القانوني للتحليل الجيني: عرف قانون البصمة الوراثية القطري رقم 9 لسنة 2013 في المادة الاولى ( 1 ) من الفصل الاول تعريف فحوصات البصمة الوراثية( DNA Testing ) بأنها: مجموعة الفحوصات والتقنيات التي تجري على العينات والآثار الحيوية لتحديد السمات الوراثية للمواقع الجينية غير المشفرة في الحمض النووي.[4]

ثانيا- خصائص التحليل الجيني

يتميز التحليل الجيني بمجموعة من الخصائص ، وهى:

1- عنصر مميز وفريد: تتميز نتائج التحليل الجيني للبصمة الوراثية للانسان بأنها تميز كل انسان عن غيره ، فهي تعطي نتائج يتفرد من خلالها الانسان ببصمته الخاصة والتي تتوارثها الاجيال.

2- تنوع مصادر التحليل: يمكن اخذ عينات التحليل من مصادر متنوعة مثل الدم او اللعاب او المني او انسجة الجسم والعظام والجلد والشعر ، فهذه الميزة تجعل من التحليل الجيني لاغنى عنه لأخذ بصمات المجرمين في مسرح الجريمة.

3- تطابق البصمة في مكونات الجسم: لا تختلف البصمة التي تؤخذ بالتحليل الجيني ايا كان مصدرها ، فالبصمة الوراثية موجودة في كل خلايا جسم الانسان ما عدا كريات الدم الحمراء وبشكل متطابق ، كما انها لا تتغير بمرور العمر[5].

4- مقاومة عوامل التحلل: ايا كانت عوامل التحلل مثل ارتفاع درجة الحرارة او انخفاضها او الجفاف لفترات طويلة فإن البصمة الوراثية لا تتغير لذلك تعطي تقارير التحلليل الجيني نتائج دقيقة فيما يتعلق بالحصول على البصمة الوراثية لاجسام الكائنات الحية المحنطة من زمن بعيد.

5- سهولة وبساطة تقارير التحليل الجيني : تتميز تقارير التحليل الجيني التي تظهر فيها بصمة الحامض النووي على شكل خطوط عريضة ببساطتها وسهولة قرائتها ، وهى الميزة التي تسهل من انشاء ملفات لكل شخص تتيح معلومات عنه في كل وقت ويمكن استخدامها في اكتشاف المجرمين.

6-  دقة نتائج التحليل الجيني: يتميز التحليل الجيني بدقة بالغة في تحديد هوية الانسان المميزة له عن غيره[6].

ثالثا- تعريف المقصود بالنسب

النسب في اللغة مفرد جمعه انساب وانسباء ، وفلان يناسب فلانا فهو نسيبه اي قريبه[7].

والنسب في المصطلح يطلق على القرابة والحاق الولد بوالديه او بأحدهما ، فإذا نسب الطفل الى آخر غير والديه يسمى تبنيا والنسب في حالته يعد باطلا.

ويعد النسب من اقوى دعائم الاسرة ويربط بين افراد الاسرة بصلة دائمة مدى العمر ، قال تعالى في سورة الفرقان " وهو الذي خلق من الماء بشرا فجعله نسبا وصهرا وكان ربك قديرا" – ايه 54

وقد حرم الاسلام انتساب الانسان الى غير والديه فقال صلى الله عليه وسلم " لا ترغبوا عن آبائكم فمن رغب عن ابيه فقد كفر."[8] اي ان الاسلام يحرم التبني ، وهو ما يؤدي على ارض الواقع الى الحفاظ على نقاء البصمة الوراثية وعدم تداخلها مع بصمات لاشخاص من غير الوالدين.

المطلب الثاني

موقف الشريعة الاسلامية من التحليل الجيني

كوسيلة من وسائل اثبات النسب

بداية لابد من الاشارة الى ان الفقه الاسلامي قد اولى عناية كبيرة بوسائل اثبات النسب ، ووضع لها ترتيبا معينا. وقد اختلف هذا الفقه في اعتبار التحليل الجيني وسيلة يمكن الالتجاء اليها لاثبات النسب .

فمن الأصول المقررة في فقه الشريعة الإسلامية أن النسب يثبت بالفراش الصحيح وهو الزواج الصحيح وملك اليمين وما يلحق به وهو المخالطة بناء على عقد فاسد يترتب عليه آثار الزواج الصحيح ومنها ثبوت النسب بالدخول الحقيقي، والقاعدة في إثبات النسب أنه إذا استند إلى زواج صحيح أو فاسد فيجب أن يكون الزواج ثابتا لا نزاع فيه سواء كان الاثبات بالفراش أو بالإقرار أو البينة الشرعية

والمقرر – في فقه الحنابلة – أن الولد للفراش وأن النسب يحتاط في إثباته بما لا يحتاط في غيره إحياءً للولد، وأجازوا بناءه على الاحتمالات النادرة التي يمكن تصورها بأي وجه حملاً لحال المرأة على الصلاح وحمايةً لعرضها من العبث وحفظاً لحق الولد في ثبوت النسب من أبيه ورعايةً لمركزه الشرعي في المجتمع وما يترتب على هذا المركز من حقوقٍ له أوعليه، كما أثبتوا النسب مع الشك، فإذا تعارض ظاهران في ثبوت النسب قُدم الظاهر المثبت للنسب على الظاهر الذي ينفيه لوجوب الاحتياط فيه، وليس الفراش طريقاً من طرق إثبات النسب فحسب بل يعتبر سبباً منشئاً له. [9]."

وفيما يخص التحليل الجيني فقد اختلف الفقه الاسلامي ، حيث ذهب بعض الفقه الى تحريم الاخذ بهذه الوسيلة في اثبات النسب تحت اسانيد شرعية ، فوسائل النسب الشرعية المعتبرة في  اثبات النسب هى النسب للفراش ، الاقرار ، الشهادة وفي كل من هذه الوسائل الكفاية لاثبات النسب.

الا ان التعقيدات التي تحيط بنا في عصرنا الحالي قد تمخضت عن حالات عديدة يكون من الصعب فيها اعتماد تلك الوسائل الاساسية في اثبات النسب ، لذلك ذهب جمهور الفقه الاسلامي – المعاصر- الى اجازة استخدام التحليل الجيني ، فقد اقر مجلس المجمع الفقهي الاسلامي بالتحليل الجيني لاثبات النسب، وقد اكد المجلس  إن إستعمال البصمة الوراثية في مجال النسب لا بد أن يحاط بمنتهى الحذر و الحيطة و السرية ، و لذلك لا بد أن تقدم النصوص و القواعد الشرعية على البصمة الوراثية.[10]

ان التحليل الجيني يمكن اعتباره احد طرق اثبات النسب في القانون باعتباره قرينة او بينة او دليل وبوصفه احد القرائن يعنى انه الدليل المادي الذي يؤكد وقائع مادية موجودة على ارض الواقع، وهو في حالة اثبات النسب يمكن استخدامه كوسيلة للاثبات اذا كان انكر احد الزوجين الطفل او لم تكن هناك واقعة زواج وادع احد الطرفين نسب الطفل او انكره ، والغالب ان تسعى الام الى اثبات بنوية طفلها اذا انكره والده اثر علاقة غير شرعية او قانونية.

 

 

وقد اتفق جمهور الفقه على حجية التحليل الجيني كوسيلة لاثبات النسب في الحالات الاتية:

اولا – حالات التنازع على طفل مجهول النسب سواء كان التنازع عليه بسبب الاشتراك في وطء الشبهة او غيره. ومنها الحالات التي يتنازع فيها رجلان على مولود من أمرأة زوجة لأحدهما و مطلقة من الآخر

ثانيا- حالات الاشتباه في المواليد داخل المستشفيات والمراكز الصحية للاطفال وغيرها

ثالثا- حالات الاشتباه في اطفال الانابيب

رابعا- حالات ضياع الاطفال واختلاطهم بسبب الحوادث ووجود جثث لم يمكن التعرف عليها او حالات الكوارث او الحروب وتعذر معرفة اهلهم.

خامسا- إدعاء المسلم و الكافر النسب ، فإذا أدعى مسلم و كافر نسب ولد فهما شرعاً متساويان في دعوى النسب، فيمكن استخدام التحليل الجيني لتحديد ايهما احق بنسب المولود.

سادسا- الحالات التي تتنازع فيها أمرأتان على أمومة ولد و تساوتا في البينة ( الشهود )

سابعا- حالات الإدعاء من قبل المرأة لتحقيق غاية معينة ، كالحالات التي تدعي فيها المرأة أن مولودها يخص رجلاً معيناً لإجباره على الزواج أو طمعاً في الميراث أو في أخذ النفقة ..الخ.

 

 

 

 

المبحث الثاني

التحليل الجيني كوسيلة في اثبات النسب

 في التشريعات المقارنة

بصدور القانون رقم 9 لسنة 2013 فقد قنن المشرع القطري التحليل الجيني كوسيلة لاثبات النسب ، كما تأخذ بعض التشريعات العربية بهذه الوسيلة فإن دولا اخرى كالكويت قد رفضته بعد اصداره مما ادى الى الغاءه، وفي هذا المبحث نتناول موقف المشرع القطري والتشريعات العربية المقارنة من التحليل الجيني كوسيلة من وسائل اثبات النسب.

المطلب الاول

موقف المشرع القطري من التحليل الجيني

 كوسيلة لاثبات النسب

اولا- القواعد العامة في وسائل اثبات النسب

يقرر قانون الأسرة رقم (22) لسنة 2006 وسائل اثبات النسب ، فقد نص في المادة (86) على أن «يثبت النسب بالفراش أو الإقرار أو الشهادة ."

 وتنص المادة (88)على أن «يثبت نسب الولد بالفراش إذا مضى على الزواج أقل مدة الحمل وكان التلاقي بين الزوجين ممكناً. ويثبت نسب الولد بالفراش عند ولادته لأكثر مدة الحمل في حال الفرقة بين الزوجين ." ويتضح من هذه النصوص القانونية أن المشرع القطري قد حدد ثلاث وسائل لاثبات النسب او نفيه ، وهى:

الوسيلة الاولى

النسب للفراش: وهو اقوى وسائل اثبات النسب ، والفراش هو فراش الزوجية الصحيح المترتب على عقد الزواج المستوفي لاركان صحة العقد وشروطه وانتفت موانعه، وكذلك الزواج غير الصحيح اي العقد الفاسد ، والوطء بشبهة على اختلاف انواعها ويثبت فيه المولود نتيجة هذا الوطء[11].

وفي هذا قررت محكمة التمييز انه " إذا قامت الزوجية الصحيحة بين الرجل والمرأة ثم جاءت الزوجة بالولد لمدة ستة أشهر فأكثر من وقت دخول الزوج بها أو من وقت عقد الزواج مع إمكان التلاقي بين الزوجين ، أو جاءت بالولد لمدة سنة فأقل من وقت الفرقة بينها وبين زوجها كان نسب الولد ثابتاً منه بالفراش دون حاجةٍ إلى بينةٍ أو إقرارٍ من الزوج بالبنوة ولا ينتفي عنه إلا باللعان."[12]

الوسيلة الثانية

 الاقرار:  وهو ان يقر الشخص البالغ بنسب الطفل اليه ، وان يكون المقر له بالنسب يمكن ثبوت نسبه من المقر ، وان يكون مجهول النسب، والا ينكر المقر له ذلك الاقرار[13].

 

 

الوسيلة الثالثة: الشهادة

 وهي شهادة رجلين أو شهادة رجل وامرأتين ولكن متى تم تعليق الشهادة بالولادة فيمكن إثباتها أحيانا بشهادة امرأتين فقط على أساس أن الولادة مما يطلع عليه إلا النساء أحيانا دون الرجل.

ثانيا- تقنين التحليل الجيني في قطر

 قنن المشرع القطري التحليل الجيني بالقانون رقم 9 لسنة 2013 بشأن البصمة الوراثية[14] ، حيث اعتمد التحليل الجيني ( فحص البصمة الوراثية ) كوسيلة تلجأ اليها الجهات المختصة في تحديد النسب ، ويتضح ذلك من نص المادة 3 : للجهات المختصة بجمع الاستدلالات والتحقيق والمحاكمة الاستعانة بقاعدة بيانات البصمة الوراثية فيما يلي: .... 2- تحديد النسب.."

حجية تقرير التحليل الجيني

وقد عبر القانون عن حجية هذه الوسيلة في المادة 7 والتي تنص على انه " تعتبر البيانات التي تحفظ في قاعدة بيانات البصمة الوراثية ذات حجية في الاثبات ، مالم يثبت العكس" اي ان المشرع قد اضفى الحجية القانونيةعلى تقارير التحليل الجيني الصادر من الاماكن المختصة والتي تحددها وزارة الصحة.

الجهات المختصة بالامر باجراء التحليل الجيني :

يلاحظ ان المشرع القطري قرر الجهة المختصة التي  يحق لها الامر بأخذ العينات اللازمة لاثبات النسب بوسيلة التحليل الجيني ( DNA  ) في المادة 4 من قانون البصمة الوراثية بنصها " يتم اخذ العينات الحيوية المنصوص عليها في المادة 2 من هذا القانون واجراء فحص البصمة الوراثية العائدة لها من قبل المختصين المكلفين بذلك وتسجيلها بناء على قرار من الوزير او المحكمة المختصة او النائب العام."

المطلب الثاني

موقف بعض التشريعات العربية من التحليل الجيني

 كوسيلة لاثبات النسب

تقر العديد من التشريعات العربية التحليل الجيني كوسيلة من وسائل الاثبات ، فيما ترفضه تشريعات عربية اخرى، ومن بين التشريعات العربية التي اخذت به تونس والامارات فيما اصدرته دولة الكويت ثم قامت بالغاءه بعد اعتراضات شعبية.

تونس : قانون الاحوال الشخصية التونسي رقم 75 لسنة 1998حيث نصت المادة الاولى منه على اعتبار البصمة الوراثية التحليل الجيني –كما اطلق عليها- هي دليل من ادلة الاثبات المعتمدة اذ جاء فيها: (( على الام الحاضنة لابنها القاصر ومجهول النسب ان تسند له اسما ولقبها العائلي ، او تطلب الاذن بذلك طبق احكام مجلة الحالة المدنية ، ويمكن للاب او للام او للنيابة العامة رفع الامر الى المحكمة الابتدائية المختصة لطلب اسناد لقب الاب للطفل الذي يثبت بالاقرار او بشهادة الشهود او بواسطة التحليل الجيني.

الامارات : تقررت أحكام النسب من خلال المواد من 89 إلى 97 المنظمة بالقانون رقم 28 لسنة 2005 بشأن الأحوال الشخصية وما نصت عليه المادة 89:" يثبت النسب بالفراش، الإقرار، البينة أو بالطرق العلمية إذا ثبت الفراش".

وما نصت عليه المادة 97 بخصوص نفي النسب:" للمحكمة الاستعانة بالطرق العلمية لنفي النسب بشرط ألا يكون قد تم ثبوته قبل ذلك".

الكويت : اصدرت الكويت قانون البصمة الوراثية في مايو من العام 2016 غير ان القانون لم يلقى تأييدا قانونيا و سياسيا من الشعب الكويتي ، مما استدعى الطعن عليه امام المحكمة الدستورية والتي قضت بعدم دستوريته لمخالفته مبدأ الخصوصية ومبدأ البراءة.

الخاتمة

تناولنا دور التحليل الجيني ( تحليل البصمة الوراثية ) في اثبات النسب من خلال مبحثين تم تقسيمهما الى عدد من المطالب، حيث تناول المبحث الاول مفهوم التحليل الجيني من الناحية العلمية والفقهية والقانونية ، فهو مجموعة الفحوصات والتقنيات التي تجري على العينات والآثار الحيوية لتحديد السمات الوراثية للمواقع الجينية غير المشفرة في الحمض النووي، وتم تعداد خصائص تقارير التحليل الجيني وما يميزها عن غيرها  فهي تعطي نتائج دقيقة للغاية وتتميز بالسهولة والبساطة فيمكن قراءتها وعمل بنوك لهذه التقارير تفيد كافة في اكثر من مجال امني او اسري ، كما تناولنا موقف الفقه الاسلامي من التحليل الجيني ومعارضة بعض الفقه لهذه الوسيلة وان كان الرأي الراجح هو استخدامها وفق ضمانات معينة وفي حالات يستحيل فيها الاثبات وفقا للوسائل التقليدية المتعارف عليها في فقه الشريعة الاسلامية وهى النسب للفراش والاقرار والشهادة.

وفي المبحث الثاني تناولنا موقف المشرع القطري في قانون الاسرة القطري والذي يأخذ – كقاعدة اساسية- بالوسائل التقليدية في اثبات النسب ، ولا يمنع من استخدام القرائن كالتحليل الجيني في حال تعذر الاثبات ، ثم قنن المشرع القطري التحليل الجيني كوسيلة في اثبات النسب على ان تقوم به جهات مختصة ولا يقدم التقارير الا للجهات التي حددها القانون.

كما تناول البحث بعض الامثلة لدول تونس والامارات العربية المتحدة التي اخذت بتقارير التحليل الجيني في اثبات النسب ، فيما الغت الكويت استخدامه بعد فترة قصيرة من اقراره بقانون ، حيث حكمت المحكمة الدستورية الكويتية بعد دستورية.

وبناءعلى ما سبق فيمكن ان ازعم انني توصلت الى النتائج التالية:

1- التحليل الجيني هو مجموعة الفحوصات والتقنيات التي تجري على العينات والآثار الحيوية لتحديد السمات الوراثية للمواقع الجينية غير المشفرة في الحمض النووي.

2- تتميز تقارير التحليل الجيني بالعديد من الخصائص التي تدعم استخدامها مثل دقتها البالغة وامكانية توفير كم هائل من المعلومات عن الاشخاص في بنوك للهوية ، يمكن ان تفيد الجهات الرسمية، وقابلية اجراء التحليل في اي وقت على اي انسان ، وكذلك يمكن تحليل اي جزء في جسم الانسان للوصول الى البصمة الوراثية له وغيرها من المميزات التي سبق التوصل ا ليها في البحث ، وهى في مجملها تدعم استخدام هذه الوسيلة كوسيلة آمنة ومؤكدة في اثبات النسب.

3- اختلف الفقه الاسلامي المعاصر من التحليل الجيني ، ويذهب الرأي الراجح الى استخدام هذه التقارير في اثبات النسب وفق ضمانات معينة وفي حالات محددة.

4- يأخذ المشرع القطري والتونسي والاماراتي بالتحليل الجيني كوسيلة لاثبات النسب ، فيما لا تأخذ دولة الكويت بتقارير التحليل الجيني في اثبات النسب.

التوصيات: وبناء على ما توصلت اليه من نتائج فانني اوصي بالاتي:

1-  الجهات المختصة باستخدام تقارير التحليل الجيني:

يجب على هذه الجهات ان توفر للاشخاص الذين يجري عليهم التحليل الجيني كافة الضمانات في عدم اساءة استخدام نتائج العينات ضده بشكل غير قانوني.

 

2-  الجهات الطبية المختصة بأخذ العينات :

يجب على هذه الجهات ان تكفل كل الوسائل الامنة في خصوصية العينات التي تأخذها من الشخص ، وفي المقابل يجب ان تكون هذه الجهات تحت رقابة كاملة من وزارة الداخلية والنيابة العامة، منعا لاساءة استخدام العينات.

3-  المحاكم :

يجب على المحاكم ان تلتزم بعد اللجوء الى الاخذ بتقارير التحليل الجيني الا في اضيق الحدود ، وفي الحالات التي يستحيل معها اثبات النسب بالفراش والاقرار والشهادة.

                                       المصادر

الكتب

1)  انس حسن محمد ناجي ، البصمة الوراثية ومدى مشروعيتها في اثبات ونفي النسب " دراسة مقارنة في ضوء القانون الوضعي و الشريعة الاسلامية" ، دار الجامعة الجديد للنشر ، الاسكندرية، 2010

2)  حسنى محمود عبدالدايم ، البصمة الوراثية ومدى حجيتها في الاثبات ، دراسة فقهية مقارنة بين الفقه الاسلامي و القانون الوضعي ، دار الفكر الجامعي ، الاسكندرية ، طبعة اولى ، 2007

3)  خليفة على الكعبي ، البصمة الوراثية واثرها على الاحكام الفقهية " دراسة فقهية مقارنة " ، دار النفائس للنشر والتوزيع ، الاردن ، طبعة اولى ، 2006

4)  سعد العنزي ، بحث بعنوان " البصمة الوراثية ومدى حجتها في اثبات او نفي النسب " مقدم الى ندوة الوراثة والهندسة الوراثية والجينوم البشر والعلاج الجيني ، المنظمة الاسلامية للعلوم الطبية، الجزء الاول، 1998

مؤتمرات

  مجلس الفقه الاسلامي ، الدورة السادسة عشر ، 5- 10 يناير 2002

  معاجم

لسان العرب ، محمد بن مكرم بن على جمال الدين بن منظـــــــور ، طبعة اولى ، دار صادر ، بيروت ،  صحيح مسلم ، النيسابوري ، دار ابن حزم ، بيروت ، طبعة اولى ، 1996

قوانين

الجريدة الرسمية ، قطر، العدد السادس عشر ، 28 اكتوبر 2013

احكام قضائية

محكمة التمييز ، الطعن رقم 56 ، لسنة 2014 ، احوال شخصية ، جلسة 13 مايو 2014

مواقع على شبكة الانترنت

 الموسوعة العربية ، موسوعة قانونية متخصصة على شبكة الانترنت : https://www.arab-ency.com/_/details.law.php?full=1&nid=163310

 

 الدكتور/ السيد عبدالماجد

الاسكندرية 

في 27 مايو 2022

 



[1] الموسوعة العربية ، موسوعة قانونية متخصصة على شبكة الانترنت : https://www.arab-ency.com/_/details.law.php?full=1&nid=163310 ..:  البصمة الوراثية L’empreinte génétique أو بصمة الدنا أو ما يسـمى ببصمة الـ ADN بالفرنسية والـ DNA بالإنكليزية. (ورمز ADN هو اختصار فرنسي للمصطلح العلمي «Acide désoxyribonucléique». أما رمز  DNA فهو اختصار إنكليزي للمصطلح العلمي «Deoxyribonucleic acild». وهو يقابل في اللغة العربية المصطلح العلمي «الحمض النووي منقوص الأكسجين»، وبعضهم يطلق عليه مصطلح «الحمض النووي الريبي منقوص الأكسجين»)

 

[2] سعد العنزي ، بحث بعنوان " البصمة الوراثية ومدى حجتها في اثبات او نفي النسب " مقدم الى ندوة الوراثة والهندسة الوراثية والجينوم البشر والعلاج الجيني ، المنظمة الاسلامية للعلوم الطبية، الجزء الاول، 1998 ، ص 411

[3] حسنى محمود عبدالدايم ، البصمة الوراثية ومدى حجيتها في الاثبات ، دراسة فقهية مقارنة بين الفقه الاسلامي و القانون الوضعي ، دار الفكر الجامعي ، الاسكندرية ، طبعة اولى ، 2007 ، ص 62

[4] الجريدة الرسمية ، قطر، العدد السادس عشر ، 28 اكتوبر 2013

[5] خليفة على الكعبي ، البصمة الوراثية واثرها على الاحكام الفقهية " دراسة فقهية مقارنة " ، دار النفائس للنشر والتوزيع ، الاردن ، طبعة اولى ، 2006 ، ص 48

[6] انس حسن محمد ناجي ، البصمة الوراثية ومدى مشروعيتها في اثبات ونفي النسب " دراسة مقارنة في ضوء القانون الوضعي و الشريعة الاسلامية" ، دار الجامعة الجديد للنشر ، الاسكندرية، 2010،ص 29

[7] لسان العرب ، محمد بن مكرم بن على جمال الدين بن منظـــــــور ، طبعة اولى ، دار صادر ، بيروت ، ص 755

[8] صحيح مسلم ، النيسابوري ، دار ابن حزم ، بيروت ، طبعة اولى ، 1996 ، ص 79

[9] محكمة التمييز ، الطعن رقم 56 ، لسنة 2014 ، احوال شخصية ، جلسة 13 مايو 2014

[10] مجلس الفقه الاسلامي ، الدورة السادسة عشر ، 5- 10 يناير 2002

[11] يقول صلى الله عليه وسلم " الولد للفراش " صحيح البخاري ، ص 177

[12] حكم التمييز سابق الاشارة.

[13] حسني محمود عبدالدايم ، مرجع سابق ، ص 704

[14] الجريدة الرسمية ، قطر ، العدد السادس عشر ، 28 اكتوبر 2013

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

مراحل ابرام المعاهدات في القانون الدولي.. د. سيد عبد الماجد

تاريخ اكتشاف النفط في قطر .. د. سيد عبدالماجد

الاجماع .. كأحد مصادر التشريع الاسلامي