حق التقاضي في هولندا وتونس...د. سيد عبدالماجد

مبدأ حق التقاضي
في تونس وهولندا
د. سيد عبدالماجد
من المؤكد ان حق التقاضي من الحقوق الطبيعية للانسان ، وان لكل فرد وقع اعتداء على حق من حقوقه ان يلجأ الى القضاء لرد ذلك الاعتداء والانتصاف لنفسه ممن ظلمه وسلبه حقه.
ومن الحقوق المتفرعة عن حق التقاضي و التي تجمع عليها التشريعات القانونية المنظمة لإجراءات التقاضي في الدول المعاصرة، وجود مجموعة من المبادئ الأساسية في التنظيم القضائي بهدف حماية الحقوق والدفاع عنها، وإقامة العدل في المجتمع.
 ومن بين هذه النظم التشريعية التي اكدت على تلك المبادئ ، نجد ان الدستور التونسي والدستور الهولندي يؤكدان على حق الانسان في التقاضي عبر العديد من النصوص الداعمة لهذا المبدأ.
وفيما يلي نلقي الضوء على واحدا من النصوص التي وردت في الدستور التونسي و المتعلقة بحق الانسان في الدفاع عن نفسه كأحد الحقوق المتفرعة عن الحق في التقاضي، ونقصد به نص المادة 27 من الدستور التونسي.
فيما نتناول احد النصوص الواردة في الدستور الهولندي والمؤكدة على الحق في التقاضي وهو نص المادة 17 من الدستور.


الحق في الدفاع في الدستور التونسي
كأحد الحقوق المتفرعة عن الحق في التقاضي
تنص المادة 27 من الدستور التونسي لسنة 2014 على انه " المتهم برئ الى ان تثبت ادانته في محاكمة عادلة تكفل له فيها جميع ضمانات الدفاع في اطوار التتبع والمحاكمة."
ويعبر هذا النص عن امرين الاول يتعلق بافتراض البراءة في المتهم ، والثاني يتعلق بضرورة توفير محاكمة عادلة للمتهم من خلال اتاحة كافة الضمانات التي تمكنه من الدفاع عن نفسه او الحق في الدفاع ، ونتناول فيما يلي مفهوم هذا الحق ، ويلي ذلك اسباب اختيار هذا النص من الدستور التونسي للتعليق عليه.
اولا – مفهوم حق الدفاع
ويقصد بمبدأ الحق في الدفاع اي منح الحق أو إتاحة الفرصة لكل خصم بالدفاع عن نفسه، و إعداد أوجه دفاعه بالأصالة عن نفسه أو بتوكيل محامٍ للدفاع عنه، على قدم المساواة بين الخصوم، دون تمييز على أساس اللون أو الجنس أو اللغة أو أي اعتبار آخر.
ويعتبر مبدأ كفالة حق الدفاع للجميع على قدم المساواة من أهم المبادئ التي يقوم عليها النظام؛ لأنه يحقق ثقة الناس بالقضاء واحترامهم له، ولذلك تحرص كافة الدساتير على تأكيده بالنص عليه ، سواء كان حق الدفاع بالأصالة أو بالوكالة ، وكل متهم في جناية يجب أن يكون له من يدافع عنه.
 ويرتكز حق الدفاع على الحق في التقاضي فاذا كان للشخص الحق في الادعاء فان للمدعى عليه الحق في الدفاع عن نفسه. كما ان القانون قد اتاح ذلك الحق للشخص الطبيعي و الشخص المعنوى ، كما ان للقاصر حق التقاضي والدفاع عن طريق ممثله القانوني أمام القضاء، كالولي أو الوصي أو القيم ولهذا ولأجل ضمان نزاهة القضاء وحياد القاضي وبعده عن شبهة الميل والهوى أجاز القانون للقاضي التنحي عن نظر الخصومة إذا كانت زوجته أو أحد أقاربه إلى الدرجة الرابعة أو صديقه أو دائنه أو خادمه طرفاً فيها، فإن لم يتنح من تلقاء نفسه كان للخصم الآخر أن يطلب تنحيته عن نظرها، ويحل قاض آخر بدلاً منه في ذلك.
ثانيا- اسباب اختيار النص محل التعليق
كما اسلفنا يعد الحق في الدفاع احد الحقوق المترتبة على الحق في التقاضي ، ويأتي النص عليه في الدستور التونسي انما يعبر عن اهمية اضفاء كافة الضمانات للمتقاضين اثناء مرحلة التقاضي .
حيث ان الاصل في الانسان هو البراءة وهو ما كان قد قرره الاعلان العالمي لحقوق الانسان لسنة 1984 والذي ورد به ان " كل شخص متهم بجريمة يعتبر بريئا الى ان تثبت ادانته ." كما تنص المادة 14 من الاعلان الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية على ان " من حق كل متهم بارتكاب جريمة ان يعتبر بريئا الى ان يثبت عليه الجرم قانونا."
اذا كان ذلك ، فان ما حدث مؤخرا في تونس من انتفاضة شعبية كانت تعبر عن حالة من الاهتزاز في منظومة العدالة بشكل عام وعدم ايمان افراد الشعب بامكانية الحصول على حقوقهم من خلال التنظيم القضائي الماثل في ذلك الوقت.
لذلك جاء الدستور الجديد مؤكدا على حق الانسان في البراءة والدفاع عن نفسه كأحد الحقوق الطبيعية للانسان التي يتحتم على اي قانون او لائحة ان تضمن تحقيقه.





ثانيا
مبدأ المساواة امام القضاء في الدستور الهولندي
كأحد الحقوق المتفرعة عن الحق في التقاضي
تنص المادة 17 من الدستور الهولندي على انه " لا يجوز منع أي شخص ضد إرادته من أن تستمع إليه المحكمة التي يحق له طلب الالتماس إليها بموجب القانون."
فيما تنص المادة الاولى من الدستور على انه " تتم معاملة جميع الأشخاص في هولندا على قدم المساواة في ظروف متساوية. لا يجوز على الإطلاق التمييز على أساس الدين أو المعتقد أو الرأي السياسي أو العرق أو الجنس أو على أي أساس آخر."
تؤكد كلا من المادتين على ضرورة كفالة الاستماع للمتهم في اطار من المساواة بصرف النظر عن هويته ، فاعتبارات العدالة يوجب الدستور الهولندي ان يتم توفيرها لكافة المتواجدين على الاراضي  الهولندية ، وبدون التفرقة بين الاشخاص بناء على المعتقد الديني او الفكري او الرؤية السياسية ، او اختلاف العرق وبمساواة تامة بين الرجل و المرأة ، وبشكل مطلق يمتنع التفرقة بين الاشخاص عن الالتجاء الى القضاء الهولندي لاي سبب من الاسباب.
1-مفهوم مبدأ المساواة امام القضاء
تعنى المساواة امام القضاء ممارسة جميع موطنى الدولة لحق التقاضي على قدم المساواة امام محاكم واحدة ، وبلا تمييز او تفرقة بسبب الاصل او الجنس او اللون او اللغة او العقيدة او الاراء الشخصية.
ويقتضي مضمون المساواة اما القضاء ان يكون القضاء الذي يتقاضي امامه الجميع واحدا ، والا تختلف المحاكم باختلاف الاشخاص الذين يتقاضون امامها ، وكذلك ان تكون اجراءات التقاضي التي يسير عليها المتقاضون واحدة.
2-اسباب اختيار النص محل التعليق
مما لاشك فيه ان النظر الى الواقع العالمي الحالي وانتشار عمليات الارهاب وما ترتب عليه من اتجاه الاتهامات بشكل شبة متكرر الى طائفة دينية واحدة ( المسلمين) . وبشكل يسبق اي تحقيقات في معظم الحالات .

فان هذا النص الدستوري في دولة اوروبية مثل هولندي يمثل ضمانة قوية لطائفة قد تتعرض حقوقها للانتهاك في ظل انتشار الاتهامات المسبقة. فهو نص غير قابل للانتهاك من خلال تشريع اقل في الدرجة اي القوانين ، ومن ثم فهناك التزام عام بعدم المساس بحقوق اي من الطوائف الدينية المقيمية على الاراضي الهولندية بضمانة دستورية قوية تنص عليها المادة 17 و المادة الاولى من الدستور الهولندي.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

مراحل ابرام المعاهدات في القانون الدولي.. د. سيد عبد الماجد

تاريخ اكتشاف النفط في قطر .. د. سيد عبدالماجد

الاجماع .. كأحد مصادر التشريع الاسلامي