حق التقاضي في فلسطين وهنغاريا وتركيا...د. سيد عبدالماجد

حق التقاضي
فلسطين – هنغاريا – تركيا
د. سيد عبدالماجد
من المسلم به ان حق التقاضي من الحقوق الطبيعية للانسان ، تلك المستمدة من القانون الطبيعي السابق على كل قانون وضعي ، ولهذا فان حق التقاضي لا يجوز المساس به وبدونه يستحيل على الافراد ان يأمنوا على حرياتهم او يردوا ما يقع عليها من اعتداء ، بل انه لا يمكن ان يعتبر نظام حكم ديمقراطيا الا بكفالته لحق التقاضي الذي يضمن الافراد على حقوقهم ويزيل من نفوسهم الشعور بالظلم.
وسوف نتناول هذا الحق – حق التقاضي – من خلال الاشارة الى احد النصوص في تشريعات الدول الاتية على الترتيب:
اولا – مبدأ مجانية القضاء في التشريع  الفلسطيني كأحد دعائم توفير حق التقاضي لكافة الاشخاص
ثانيا- مبدأ علانية الجلسات في الدستور الهنغاري كأحد الضمانات لحق التقاضي
ثالثا- القاضي الطبيعي في الدستور التركي كأحد ضمانات حق التقاضي



اولا:  مبدأ مجانية القضاء
في التشريع الفلسطيني كأحد دعائم حق التقاضي لكافة الاشخاص
تتضمن القوانين الفلسطينية العديد من النصوص القانونية التي تشير الى مجانية القضاء ،حيث تتحمل الدولة نفقات التقاضي ، ومن بين تلك النصوص الهامة نص المادة 4 من قانون العمل الفلسطيني.
حيث تقرر المادة المذكور على انه " يعفى العمال من الرسوم القضائية في الدعاوى العمالية التي يرفعونها نتيجة نزاع يتعلق بالاجور او الاجازات او بمكافأت نهاية الخدمة او بالتعويضات عن اصابة العمل او بفصل العامل فصلا تعسفيا."
وتقرر المادة المبدأ العام المتعلق بمجانية القضاء بشأن الدعاوى العمالية ، حيث تتكفل الدولة بتحمل نفقات التقاضي بدلاً من المتقاضين أو الخصوم، فلا يتحمل هؤلاء شيئاً من أجور القضاة أو تكاليف تجهيز وأعداد المحاكم بكل متطلبات القضاء وتتحمل الدولة ذلك كله. ولا يغير من ذلك ما يدفعه الخصوم أو الطرف الخاسر للدعوى من نفقات أو مصاريف قضائية، لأنها رمزية من ناحية، ولأن القانون يوفر المساعدة القضائية لمن يحتاجها من الخصوم من ناحية أخرى.
وهذا ما فعله المشرع الفلسطيني حيث قرر إعفاء العمال من الرسوم القضائية في الدعاوى العمالية وفقا للمادة الثانية من قانون العمل الساري في قطاع غزة،وهو القانون رقم 16 لسنة 1964
.
ولما كان الجانب الاقتصادي لكل فرد يحدد قدرته على الالتجاء الى القضاء للحصول على حقوقه المتنازع عليها ، لما يتطلبه ذلك من نفقات ورسوم واتعاب محاماة قد تكون فوق طاقته المادية في كثير من الاحيان ، ولهذا السبب نجد ان المشرع الفلسطيني قد نظم وسائل تقديم المساعدات القضائية الى المتقاضين المحتاجين لها ، وإعفاء المعوزين من دفع الرسوم القضائية وفقا للمادة 19/3. من قانون رسوم المحاكم لسنة 1935 الساري في قطاع غزة، والمادة 15/1 من قانون رسوم المحاكم رقم 4 لسنة 1952 الساري في الضفة الغربية.

والجدير بالذكر ان قانون رسوم المحاكم النظامية رقم 1 لسنة 2003 قد قرر في المادة 14 منه يعفى في عدد من الحالات انواع مختلفة من الرسوم القضائية.
اسباب اختيار النص
في ظل الظروف التي يعيشها المجتمع الفلسطيني ، يأتي هذا النص متسقا مع معظم التشريعات الدولية بشأن حقوق العمال وكفالة حق التقاضي المجاني لهم ، وهو ما يستلزمه الوضع الفلسطيني بشكل كبير ، حيث يعيش العامل الفلسطيني في ظل احوال معيشية وامنية واقتصادية غير مستقرة بشكل عام ، وهو ما دفع المشرع من خلال هذا النص الى توفير الحد الادني لحماية حق التقاضي للعامل الفلسطيني.




ثانيا- مبدأ علانية الجلسات في الدستور الهنغاري
كأحد الضمانات لحق التقاضي
اكد الدستور الهنغاري على حق التقاضي في العديد من النصوص ، باعتباره احد اهم الضمانات لمنظومة العدالة ، ومن بين المبادئ المنبثقة عن هذا المبدأ اورد الدستور نصا يتعلق بعلانية الجلسات كضمانة هامة اثناء المحاكمة تدعم حق التقاضي لاطراف النزاع.
حيث تنص الفقرة ١ من المـادة ٥٧ من الدستور التي تنص على أنه "لكل فرد في جمهورية هنغاريا ... الحق في تحديد حقوقه وواجباته في دعـوى قضائية، في محاكمه عادلة وعلنية تجريها محكمة مستقلة وحيادية منشأة بموجب القانون".
ويقصد بعلانية الجلسات فتح أبواب القضاء أو المحاكم أمام جمهور الناس وإتاحة الفرصة لهم بحضور جلسات المحاكمة، والاستماع لمرافعة الخصوم والنيابة العامة والقاضي مباشرة لكل ما يجري في قاعة المحكمة أثناء نظر القضايا أو الفصل في الخصومات.
وتعتبر علانية الجلسات من الضمانات الهامة والأساسية في التقاضي، لأنها تخلق نوعاً من الرقابة الشعبية العامة على أعمال الهيئة القضائية، كما تخلق نوعاً من الاطمئنان لدى الناس ولدى الخصوم بعدالة ونزاهة القضاة، وهذا يدفع بهؤلاء إلى المزيد من التحري والدقة والأناة لحسن أداء العدالة.
وان كان هناك استثناء من هذا المبدأ احيانا عندما يتعلق باعتبارات المصلحة العامة او الاداب ، ولكن يبقى ان الاصل هو مبدأ العلانية في الجلسات ، وهو المبدأ الذي من شأنه ان يدعم حسن سير العدالة. ويلاحظ ايضا ان جلسة النطق بالحكم يجب أن تكون علنية حتى وان كانت جلسات المرافعة أو المحاكمة سرية.
وترتيبا على علانية الجلسة يقوم الخصوم بالأصالة أو بالوكالة عن طريق محامييهم بالمرافعة الشفوية أمام هيئة المحكمة، كما تقوم النيابة العامة بذلك أيضا إذا كان تدخلها ضرورياً خاصة في القضايا الجنائية. ويجري سماع الشهود واستجوابهم ومناقشتهم علانية وشفوية في الجلسة أمام جمهور الحاضرين.
 اسباب اختيار النص
يرجع اختيارنا للنص محل التعليق هو الاهمية الكبيرة لعنصر الشفافية في منظومة العدالة ، والتي دائما ما تؤكد عليها الامم المتحدة في مواثيقها واعلاناتها بشأن تحقيق اقصى درجات الثقة والنزاهة في القضاء. وازاء ذلك فان الحاجة الى تأكيد علانية الجلسات كاحد الضمانات الهامة في التقاضي من خلال نص المادة 51 من الدستور الهنجاري يتسق مع تلك المبادئ الدولية.



ثالثا – التقاضي امام القاضي الطبيعي
في الدستور التركي كأحد ضمانات حق التقاضي
من الامور المسلم به في العصر الحديث استقلال القضاء عن السلطتين التشريعية والتنفيذية استقلال تاما طبقا لمبدأ الفصل بين السلطات . ذلك المبدأ الذي اضحى المحور الرئيسي الذي تدور من حوله عملية تنظيم السلطات العامة في الدولة الديمقراطية الحديثة. ومن ثم فان التنازع امام القاضي الطبيعي هو احد ضمانات حق التقاضي التي يتعين العمل على الحفاظ عليها وباستمرار.
وتنص المادة 37 من الدستور التركي على انه "  لاتجوز محاكمة شخص امام اي هيئة قضائية عدا المحكمة المختصة بموجب القانون . ولا يجوز انشاء هيئات قضائية استثنائية لها ولاية من شأنها ان تخرج شخصا من ولاية محكمته المحددة بالقانون." وتضيف المادة 36 من الدستور التركي التزاما اخر حيث تقرر انه " للجميع الحق في التقاضي كمدع او مدعى عليه ، وكذلك الحق في محاكمة عادلة امام المحاكم بالاساليب والاجراءات القانونية ، و لا يجوز لمحكمة ان ترفض النظر في قضية ضمن اختصاصاتها."
ويؤكد النص الدستوري الزام محاكمة الاشخاص امام قاضيهم الطبيعي ، فلا يحال اي شخص الى محكمة استثنائية الى بموجبات وقواعد واضحة يضعها قانون سابق.
وفي ظل مبدأ التقاضي امام القاضي الطبيعي  يمارس القضاة عملهم بالفصل في الخصومات في ظل سيادة القانون، فلا يخضعون إلا لله ولضمائرهم، ولا يجوز التدخل في شؤونهم أو محاولة التأثير عليهم من أي جهة أو سلطة كانت، تشريعية أو تنفيذية أو غيرها؛ بهدف إقامة العدل وحماية الحقوق والحريات للأفراد في المجتمع.
ولا يتعارض مع مضمون العدالة وجود محاكم مختلفة باختلاف انواع المنازعات او باختلاف طبيعية الجرائم بشرط الا تقام تفرقة او يوضع تمييز بين اشخاص المتقاضيين.
اسباب اختيار النص
نظرا لما هو سائد في معظم دول العالم النامي ، تلجأ السلطات التنفيذية الى التدخل في القضاء بوسائل عدة من اهمهما انشاء محاكم استثنائية ، وهو الامر الذي يرفضه النص الدستوري محل التعليق ويشدد على ضرورة ان يعرض الاشخاص على قاضيهم الطبيعي . واجاز استثناء وبناء على قانون وقواعد صارمة عرض الاشخاص امام القضاء الاستثنائي ، ومن المعرف ان القانون غالبا ما يضع من الضمانات ما يكفل الالتزام بالاصل الدستوري الوارد في نص المادة 37 من الدستور التركي.


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

مراحل ابرام المعاهدات في القانون الدولي.. د. سيد عبد الماجد

تاريخ اكتشاف النفط في قطر .. د. سيد عبدالماجد

الاجماع .. كأحد مصادر التشريع الاسلامي